خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ
٢١
-الحجر

روح المعاني

{ وَإِن مّن شَىْء } { إنْ } نافية/ و { مِنْ } مزيدة للتأكيد و { شَىْء } في محل الرفع على الابتداء أي ما شيء من الأشياء الممكنة فيدخل فيها ما ذكر دخولاً أولياً والاقتصار عليه قصور. وزعم ابن جريج وغيره أن الشيء هنا المطر خاصة. { إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } الظرف خبر للمبتدأ و { خَزَائِنُهُ } مرتفع به على أنه فاعل لاعتماده أو مبتدأ والظرف خبره والجملة خبر للمبتدأ الأول، والخزائن جمع خزانة ولا تفتح وهي اسم للمكان الذي يحفظ فيه نفائس الأموال لا غير غلبت ـ على ما قيل ـ في العرف على ما للملوك والسلاطين من خزائن أرزاق الناس، شبهت مقدوراته تعالى الفائتة للحصر المندرجة تحت قدرته الشاملة في كونها مستورة عن علوم العالمين ومصونة عن وصول أيديهم مع وفور رغبتهم فيها وكونها متهيأة متأتية لإيجاده وتكوينه بحيث متى تعلقت الإرادة بوجودها وجدت بلا تأخر بنفائس الأموال المخزونة في الخزائن السلطانية فذكر الخزائن على طريقة الاستعارة التخييلية قاله غير واحد، وجوز أن يكون قد شبه اقتداره تعالى على كل شيء وإيجاده لما يشاء بالخزائن المودعة فيها الأشياء المعدة لأن يخرج منها ما شاء فذكر ذلك على سبيل الاستعارة التمثيلية، والمراد ما من شيء إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه، وقيل: الأنسب أنه مثل لعلمه تعالى بكل معلوم، ووجه ـ على ما قيل ـ أنه يبقى { شَىْء } على عمومه لشموله الواجب والممكن بخلاف القدرة ولأن { عِندَ } أنسب بالعلم لأن المقدور ليس عنده إلا بعد الوجود. وتعقب بأن كون المقدورات في خزائن القدرة ليس باعتبار الوجود الخارجي بل الوجود العلمي، وقال قوم: الخزائن على حقيقتها وهي الأماكن التي تحفظ فيها الأشياء وإن للريح مكاناً وللمطر مكاناً ولكل مكان حفظة من الملائكة عليهم السلام، ولا يخفى أنه لا يمكن مع تعميم الشيء.

{ وَمَا نُنَزّلُهُ } أي نوجد وما نكون شيئاً من تلك الأشياء ملتبساً بشيء من الأشياء { إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } أي إلا ملتبساً بمقدار معين تقتضيه الحكمة وتستدعيه المشيئة التابعة لها من بين المقدورات الغير المتناهية فإن تخصيص كل شيء بصفة معينة وقدر معين ووقت محدود دون ما عدا ذلك مع استواء الكل في الأشكال وصحة تعلق القدرة به لا بد له من حكمة تقتضي اختصاص كل من ذلك بما اختص به. وهذا لبيان سر عدم تكون الأشياء على وجه الكثرة حسبما هو في الخزائن، وهو إما عطف على مقدر أي ننزله وما ننزله إلا بقدر إلى آخره أو حال مما سبق أي عندنا خزائن كل شيء والحال إنا ما ننزله إلا بقدر إلى آخره، فالأول: لبيان سعة القدرة، والثاني: لبيان بالغ الحكمة قاله مولانا شيخ الإسلام. وقرأ الأعمش { وما نرسله إِلا } إلى آخره، وهي على ما في «البحر» قراءة تفيسر لمخالفتها لسواد المصحف، والأولى في التفسير ما ذكرنا، وإنما عبر عن إيجاد ذلك وإنشائه بالتنزيل لما أنه بطريق التفضل من العالم العلوي إلى العالم السفلي وقيل: لما أن فيه إخراج الشيء مما تميل إليه ذاته من العدم إلى ما لا تميل إليه ذاته من الوجود، وهذا كما في قوله تعالى: { { وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلأَنْعَـٰمِ ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوٰجٍ } [الزمر: 6] وقوله سبحانه: { { وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } [الحديد: 25] وكأن من حمل الشيء على المطر غره ظاهر التنزيل فارتكب خلاف ظاهره جداً، وكأنه لما كان ذلك بطريق التدريج عبر عنه بالتنزيل، وجيء بصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار. واستدل بعض القائلين بشيئية المعدوم على ذلك بهذه الآية، وقد بين وجهه والجواب عنه الإمام ونحن مع القائلين بالشيئية.