خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ
٥٧
-الحجر

روح المعاني

{ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ } أي أمركم وشأنكم الخطير الذي لأجله أرسلتم سوى البشارة { أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } لعله عليه السلام علم أن كمال المقصود ليس البشارة من مقالة لهم في أثناء المحاورة مطوية هنا، وتوسيط { قَالَ } بين كلاميه عليه السلام مشيراً إلى أن هناك ما طوي ذكره، وخطابه لهم عليهم السلام بعنوان الرسالة بعد ما كان خطابه السابق مجرداً عن ذلك مع تصديره بالفاء ظاهر في أن مقالتهم المطوية كانت متضمنة ما فهم منه ذلك فلا حاجة إلى الالتجاء إلى أن علمه عليه السلام بأن كل المقصود ليس البشارة بسبب أنهم كانوا ذوي عدد والبشارة لا تحتاج إلى عدد ولذلك اكتفى بواحد في زكريا ومريم عليهما السلام ولا إلى أنهم بشروه في تضاعيف الحال لإزالة الوجل ولو كانت تمام المقصود لابتدأوا بها على أن فيما ذكر بحثاً فقد قيل: إن التعذيب كالبشارة لا يحتاج أيضاً إلى العدد؛ ألا يرى أن جبريل عليه السلام قلب مدائنهم بأحد جناحيه، وأيضاً يرد على قوله: ولذلك اكتفى الخ/ أن زكريا عليه السلام لم يكتف في بشارته بواحد كما يدل عليه قوله تعالى: { { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } [آل عمران: 39] وأما مريم عليها السلام فإنما جاءها الواحد لنفخ الروح والهبة كما يدل عليه قوله: { { لأَهَبَ لَكِ غُلَـٰماً زَكِيّاً } [مريم: 19] وقوله تعالى: { { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } [الأنبياء: 91] وأما التبشير فلازم لتلك الهبة وفي ضمنها وليست مقصودة بالذات، وأيضاً يخدش قوله: ولو كانت تمام المقصود لابتدأوا بها ما في قصة مريم عليها السلام : { { قَالَتْ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلَـٰماً زَكِيّاً } [مريم: 18-19]. فيجوز أن يكون قولهم: { { لاَ تَوْجَلْ } [الحجر: 53] تمهيداً للبشارة. وأجيب عن هذا بأنه لا ورود له لأن مريم عليها السلام لنزاهة شأنها أول ما أبصرته متمثلاً عاجلته بالاستعاذة فلم تدعه يبتدىء بالبشارة بخلاف ما نحن فيه، وعما تقدم بأن المعنى إن العادة الجارية بين الناس ذلك فيرسل الواحد للبشارة والجمع لغيرها من حرب وأخذ ونحو ذلك والله تعالى يجري الأمور للناس على ما اعتادوه فلا يرد قصة جبريل عليه السلام في ذلك وإن قيل: المراد بالملائكة في تلك الآية جبريل عليه السلام كقولهم فلان يركب الخيل ويلبس الثياب أي الجنس الصادق بالواحد من ذلك قاله بعض المحققين، وتعقب ما تقدم من كون العلم من كلام وقع في أثناء المحاورة وطوي ذكره بأنه بعيد وتوسيط { قَالَ } والفاء والخطاب بعنوان الرسالة لا يقربه، أما الأول فلجواز أن يكون لما أن هناك انتقالاً إلى بحث آخر ومثله كثير في الكلام، وأما الثاني فلجواز أن تكون فصيحة على معنى إذا تحقق هذا فأخبروني ما أمركم الذي جئتم له سوى البشرى؟، وأما الثالث فلجواز أن يقال: إنه عليه السلام لم يعلم بأنهم ملائكة مرسلون من الله تعالى إلا بعد البشارة ولم يكن يحسن خطابهم بذلك عند الإنكار أو التعجب من بشارتهم، وكذا لا يحسن في الجواب كما لا يخفى على أرباب الأذواق السليمة بل قد يقال: إنه لا يحسن أيضاً عند قوله: { { إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ } [الحجر: 52] على تقدير أن يكون علم عليه السلام ذلك قبل البشارة لما أن المقام هناك ضيق من أن يطال فيه الكلام بنحو ذلك الخطاب فتدبر.