خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ
١٢٨
-النحل

روح المعاني

{ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } تعليل لما سبق من الأمر والنهي، والمراد بالمعية الولاية الدائمة التي لا يحوم حول صاحبها شيء من الجزع والحزن وضيق الصدر وما يشعر به دخول كلمة { مَعَ } من متبوعية المتقين من حيث أنهم المباشرون للتقوى، والمراد بها هنا أعلى مراتبها أعني التنزه عن كل ما يشغل السر عن الحق سبحانه والتبتل إليه تعالى بالكلية لأن ذلك هو المورث لولايته عز وجل المقرونة ببشارة { { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [يونس: 62] والمعنى أن الله تعالى ولي الذين تبتلوا إليه سبحانه بالكلية وتنزهوا عن كل ما يشغل سرهم عنه عز وجل فلم يخطر ببالهم شيء من مطلوب أو محذور فضلاً عن الحزن عليه فواتاً أو وقوعاً وهو المعني بما به الصبر المأمور به على أول الاحتمالات السالفة وبذلك يحصل التقريب ويتم التعليل وإلا فمجرد التوقي عن المعاصي لا يكون مداراً لشيء من العزائم المرخص في تركها فكيف بالصبر المشار إليه ورديفيه وإنما مداره المعنى المذكور فكأنه قيل: إن الله مع الذين صبروا، وإنما أوثر عليه ما في النظم الكريم مبالغة في الحث على الصبر بالتنبيه على أنه من خصائص أجل النعوت الجليلة وروادفه كما أن قوله تعالى: { وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } للإشعار بأنه من باب الإحسان الذي فيه يتنافس المتنافسون على ما يؤذن بذلك قوله تعالى: { { وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين } [هود: 115] وقد نبه سبحانه على أن كلاً من الصبر والتقوى من قبيل الإحسان بقوله تعالى: { { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين } [يوسف: 90] وحقيقة الإحسان الإتيان بالأعمال على الوجه اللائق، وقد فسره صلى الله عليه وسلم بأن تعبد الله تعالى كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وتكرير الموصول للإيذان بكفاية كل من الصلتين في ولايته سبحانه من غير أن تكون احداهما تتمة للأخرى، وإيراد الأول فعلية للدلالة على الحدوث كما أن إيراد الثانية اسمية لإفادة كون مضمونها شيمة راسخة لهم، وتقديم التقوى على الإحسان لما أن التخلية مقدمة على التحلية، والمراد بالموصولين إما جنس المتقين والمحسنين ويدخل عليه الصلاة والسلام في زمرتهم دخولاً أولياً وإما هو صلى الله عليه وسلم وأشياعه رضي الله تعالى عنهم وعبر بذلك عنهم مدحاً لهم وثناء عليهم بالنعتين الجميلين، وفيه رمز إلى أن صنيعه عليه الصلاة والسلام مستتبع لاقتداء الأمة به كقول من قال لابن عباس رضي الله تعالى عنهما عند التعزية:

/ اصبر نكن بك صابرين وإنما صبر الرعية عند صبر الرأس

قال كل ذلك في "إرشاد العقل السليم"، وإلى كون الجملة في موضع التعليل لما سبق ذهب العلامة الطيبـي حيث قال: إنه تعالى لما أمر حبيبه بالصبر على أذى المخالفين ونهاه عن الحزن على عنادهم وإِبائهم الحق وعما يلحقه من مكرهم وخداعهم علل ذلك بقوله سبحانه: { إِنَّ ٱللَّهَ } الخ أي لا تبال بهم وبمكرهم لأن الله تعالى وليك ومحبك وناصرك ومبغضهم وخاذلهم، وعمم الحكم إِرشاداً للاقتداء به عليه الصلاة والسلام، وفيه تعريض بالمخالفين وبخذلانهم كما صرح به في قوله تعالى: { { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَـٰفِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } [محمد: 11] وذكر أن إيراد الجملة الثانية اسمية وبناء { مُّحْسِنُونَ } على { هُمْ } على سبيل التقوى مؤذن باستدامة الإحسان واستحكامه وهو مستلزم لاستمرار التقوى لأن الإحسان إنما يتم إذا لم يعد إلى ما كان عليه من الإساءة، وإليه الإشارة بما ورد "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" وما ذكر من حمل التقوى على أعلى مراتبها غير متعين، وما ذكره في بيانه لا يخلو عن نظر كما لا يخفى على المتأمل، وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم وغيرهم عن الحسن أنه قال في الآية: اتقوا فيما حرم الله تعالى عليهم وأحسنوا فيما افترض عليهم، ويوهم كلام بعضهم أن الجملة في موضع التعليل للأمر بالمعاقبة بالمثل حيث قال: إن المعنى إن الله بالعون والحرمة والفضل مع الذين خافوا عقاب الله تعالى وأشفقوا منه فشفقوا على خلقه بعد الإسراف في المعاقبة، وفسر الإحسان بترك الإساءة كما قيل:

ترك الإساءة إحسان وإجمال

ولا يخفى ما فيه من البعد، وقد اشتملت هذه الآيات على تعليم حسن الأدب في الدعوة وترك التعدي والأمر بالصبر على المكروه مع البشارة للمتقين المحسنين، وقد أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وغيرهما عن هرم بن حيان أنه قيل له حين الاحتضار: أوص فقال: إنما الوصية من المال ولا مال لي وأوصيكم بخواتيم سورة النحل هذا.

ومن باب الإشارة في الآيات: { { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ تِبْيَانًا لّكُلّ شَىْء } [النحل: 89] أي مما كان وما يكون فيفرق به بين المحق والمبطل والصادق والكاذب والمتبع والمبتدع، وقيل: كل شيء هو النبـي صلى الله عليه وسلم كما قيل إنه عليه الصلاة والسلام الإمام في قوله سبحانه: { { وَكُلَّ شىْء أَحْصَيْنَـٰهُ فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ } [يس: 12] { { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [النحل: 90] قال السيادي: العدل رؤية المنة منه تعالى قديماً وحديثاً، والإحسان الاستقامة بشرط الوفاء إلى الأبد، وقيل: العدل أن لا يرى العبد فاتراً عن طاعة مولاه مع عدم الالتفات إلى العوض، وإيتاء ذي القربـى الإحسان إلى ذوي القرابة في المعرفة والمحبة والدين فيخدمهم بالصدق والشفقة ويؤدي إليهم حقهم، والفحشاء الاستهانة بالشريعة، والمنكر الإصرار على الذنب كيفما كان، والبغي ظلم العباد، وقيل: الفحشاء إضافة الأشياء إلى غيره تعالى ملكاً وإيجاداً { { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } [النحل: 91] المأخوذ عليكم في عالم الأرواح بالبقاء على حكمه وهو الإعراض عن الغير والتجرد عن العلائق والعوائق في التوجه إليه تعالى إذا عاهدتم أي تذكرتموه بإشراق نور النبـي صلى الله عليه وسلم عليكم وتذكيره إياكم؛ قال النصرآبادي: العهود مختلفة فعهد العوام لزوم الظواهر وعهد الخواص حفظ السرائر وعهد خواص الخواص التخلي من الكل لمن له الكل { مَا عِندَكُمْ } من الصفات ينفد لمكان الحدوث { { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ } [النحل: 96] لمكان القدم فالعبد الحقيقي من كان فانياً من أوصافه باقياً بما عند الله تعالى كذا في "أسرار القرآن" { مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } أي/ عملا يوصله إلى كماله الذي يقتضيه استعداده { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } معتقد للحق اعتقاداً جازماً { فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً } أي حياة حقيقية لا موت بعدها بالتجرد عن المواد البدنية والانخراط في سلك الأنوار القدسية والتلذذ بكمالات الصفات ومشاهدات التجليات الأفعالية والصفاتية { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم } من جنات الصفات والأفعال { بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعمْلَونَ } [النحل: 97] إذ عملهم يناسب صفاتهم التي هي مبادى أفعالهم وأجرهم يناسب صفات الله تعالى التي هي مصادر أفعاله فانظر كم بينهما من التفاوت في الحسن، ويقال: الحياة الطيبة ما تكون مع المحبوب ومن هنا قيل:

كل عيش ينقضي ما لم يكن مع مليح ما لذاك العيش ملح

{ { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَـٰهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفورٌ رَّحِيمٌ } [النحل: 110] قال سهل هو اشارة إلى الذين رجعوا القهقرى في طريق سلوكهم ثم عادوا أي إن ربك للذين هجروا قرناء السوء من بعد أن ظهر لهم منهم الفتنة في صحبتهم ثم جاهدوا أنفسهم على ملازمة أهل الخير ثم صبروا معهم على ذلك ولم يرجعوا إلى ما كانوا عليه في الفتنة لساتر عليهم ما صدر منهم منعم عليهم بصنوف الإنعام، وقيل: إن ربك للذين هاجروا أي تباعدوا عن موطن النفس بترك المألوفات والمشتهيات من بعد ما فتنوا بها بحكم النشأة البشرية ثم جاهدوا في الله تعالى بالرياضات وسلوك طريقه سبحانه بالترقي في المقامات والتجريد عن التعلقات وصبروا عما تحب النفس وعلى ما تكرهه بالثبات في السير إن ربك لغفور يستر غواشي الصفات النفسانية رحيم بإفاضة الكمال والصفات القدسية { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً } للنفس المستعدة القابلة لفيض القلب الثابتة في طريق اكتساب الفضائل الآمنة من خوف فواتها المطمئنة باعتقادها { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا } من العلوم والفضائل والأنوار { مّن كُلّ مَكَانٍ } من جميع جهات الطرق البدنية كالحواس والجوارح والآلات ومن جهة القلب { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ } ظهرت بصفاتها بطراً وإعجاباً بزينتها ونظراً إلى ذاتها ببهجتها وبهائها فاحتجبت بصفاتها الظلمانية عن تلك الأنوار ومالت إلى الأمور السلفية وانقطع إمداد القلب عنها وانقلبت المعاني الواردة عليها من طرق الحس هيآت غاسقة من صور المحسوسات التي أنجذبت إليها { فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ } بانقطاع مدد المعاني والفضائل والأنوار من القلب والخوف من زوال مقتنياتها من الشهوات والمألوفات { { بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [النحل: 112] من كفران أنعم الله تعالى { وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مّنْهُمْ } أي من جنسهم وهي القوة الفكرية { فَكَذَّبُوهُ } بما ألقى إليهم من المعاني المعقولة والآراء الصادقة { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ } أي عذاب الحرمان والاحتجاب { { وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ } [النحل: 113] في حالة ظلمهم وترفعهم عن طريق الفضيلة ونقصهم لحقوق صاحبهم { إِنَّ إِبْرٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً } لاجتماع ما تفرق في غيره من الصفات الكاملة فيه وكذا كل نبـي ولذا جاء في الخبر على ما قيل "لو وزنت بأمتي لرجحت بهم" { قَـٰنِتًا لِلَّهِ } مطيعاً له سبحانه على أكمل وجه { حَنِيفاً } مائلاً عن كل ما سواه تعالى { { ولم يكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [النحل: 120] بنسبة شيء إلى غيره سبحانه { شَـٰكِراً } لأَنعمه مستعملا لها على ما ينبغي { ٱجْتَبَـٰهُ } اختاره بلا واسطة عمل لكونه من الذين سبقت لهم الحسنى فتقدم كشوفهم على سلوكهم { وَهَدَاهُ } بعد الكشف { { إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [النحل: 121] وهو مقام الإرشاد والدعوة ينعون به مقام الفرق بعد الجمع { وَءاتَيْنَـٰهُ فِى ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً } وهي الذكر الجميل والملك العظيم والنبوة { وَإِنَّهُ فِى ٱلآَخِرَةِ } قيل أي في عالم الأرواح { { لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } [النحل: 122] المتمكنين في مقام الاستقامة وقيل أي يوم القيامة لمن الصالحين للجلوس على بساط القرب والمشاهدة بلا حجاب وهذا لدفع توهم أن ما أوتيه في الدنيا ينقص مقامه في العقبـى كما قيل إن مقام الولي المشهور دون الولي الذي في زوايا الخمول، وإليه الإشارة بقولهم: الشهرة آفة، وقد نص/ على ذلك الشعراني في كتبه { { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } [النحل: 124] وهم اليهود واختاروه لأنه اليوم الذي انتهت به أيام الخلق فكان بزعمهم أنسب لترك الأعمال الدنيوية وهو على ما قال الشيخ الأكبر قدس سره في "الفتوحات" يوم الأبد الذي لا انقضاء له فليله في جهنم ونهاره في الجنة واختيار النصارى ليوم الأحد لأنه أول يوم اعتنى الله تعالى فيه بخلق الخلق فكان بزعمهم أولى بالتفرع لعبادة الله تعالى وشكره سبحانه، وقد هدى الله تعالى لما هو أعظم من ذلك وهو يوم الجمعة الذي أكمل الله تعالى به الخلق وظهرت فيه حكمة الاقتدار بخلق الإنسان الذي خلق على صورة الرحمن فكان أولى بأن يتفرغ فيه الإنسان للعبادة والشكر من ذينك اليومين وسبحان من خلق فهدى { { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لّلصَّـٰبِرينَ } [النحل: 126] لما في ذلك من قهر النفس الموجب لترقيها إلى أعلى المقامات { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } قيل: الصبر أقسام: صبر لله تعالى وصبر في الله تعالى وصبر مع الله تعالى وصبر عن الله تعالى وصبر بالله تعالى، فالصبر لله تعالى هو من لوازم الإيمان وأول درجات الإسلام وهو حبس النفس عن الجزع عند فوات مرغوب أو وقوع مكروه وهو من فضائل الأخلاق الموهوبة من فضل الله تعالى لأهل دينه وطاعته المقتضية للثواب الجزيل، والصبر في الله تعالى هو الثبات في سلوك طريق الحق وتوطين النفس على المجاهدة بالاختيار وترك المألوفات واللذات وتحمل البليات وقوة العزيمة في التوجه إلى منبع الكمالات وهو من مقامات السالكين يهبه الله تعالى لمن يشاء من أهل الطريقة، والصبر مع الله تعالى هو لأهل الحضور والكشف عند التجرد عن ملابس الأفعال والصفات والتعرض لتجليات الجمال والجلال وتوارد واردات الأنس والهيبة فهو بحضور القلب لمن كان له قلب والاحتراس عن الغفلة والغيبة عند التلوينات بظهور النفس، وهو أشق على النفس من الضرب على الهام وإن كان لذيذاً جداً، والصبر عن الله تعالى هو لأهل العيان والمشاهدة من العشاق المشتاقين المتقلبين في أطوار التجلي والاستتار المنخلعين عن الناسوت المتنورين بنور اللاهوت ما بقي لهم قلب ولا وصف كلما لاح لهم نور من سبحات أنوار الجمال احترقوا وتفانوا وكلما ضرب لهم حجاب ورد وجودهم تشويقاً وتعظيماً ذاقوا من ألم الشوق وحرقة الفرقة ما عيل به صبرهم وتحقق موتهم، والصبر بالله تعالى هو لأهل التمكين في مقام الاستقامة الذين أفناهم الله تعالى بالكلية وما ترك عليهم شيئاً من بقية الأنية والإثنينية ثم وهب لهم وجوداً من ذاته حتى قاموا به وفعلوا بصفاته وهو من أخلاق الله تعالى ليس لأحد فيه نصيب، ولهذا بعد أن أمر سبحانه به نبيه صلى الله عليه وسلم بين له عليه الصلاة والسلام إنك لا تباشره إلا بـي ولا تطيقه إلا بقوتي ثم قال سبحانه له صلى الله عليه وسلم: { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } فالكل مني { { وَلاَ تَكُ فِى ضَيْقٍ مّمَّا يَمْكُرُونَ } [النحل: 127] لانشراح صدرك بـي { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } بقاياهم وفنوا فيه سبحانه { { وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } [النحل: 128] بشهود الوحدة في الكثرة وهؤلاء الذين لا يحجبهم الفرق عن الجمع ولا الجمع عن الفرق ويسعهم مراعاة الحق والخلق، وذكر الطيبـي أن التقوى في الآية بمنزلة التوبة للعارف والإحسان بمنزلة السير والسلوك في الأحوال والمقامات إلى أن ينتهي إلى محو الرسم والوصول إلى مخدع الأنس، هذا والله سبحانه الهادي إلى سواء السبيل فنسأله جل شأنه أن يهدينا إليه ويوفقنا للعلم النافع لديه ويفتح لنا خزائن الأسرار ويحفظنا من شر الأشرار بحرمة القرآن العظيم والرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم.