خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ
٦
-النحل

روح المعاني

{ وَلَكُمْ فِيهَا } مع ما ذكر من المنافع الضرورية { جَمَالٌ } زينة في أعين الناس وعظمة ووجاهة عندهم، والمشهور إطلاقه على الحسن الكثير، ويكون في الصورة بحسن التركيب وتناسق الأعضاء وتناسبها، وفي الأخلاق باشتمالها على الصفات المحمودة وفي الأفعال بكونها ملائمة للمصلحة من درء المضرة وجلب المنفعة وهو في الأصل مصدر ـ جمل ـ بضم الميم ويقال للرجل جميل وجمال وجمال على التكثير وللمرأة جميلة وجملاء عند الكسائي وأنشد:

فهي جملاء كبدر طالع بذت الخلق جميعاً بالجمال

ورأى بعضهم إطلاقه على التجمل فظن أنه مصدر بإسقاط الزوائد.

{ حِينَ تُرِيحُونَ } أي تردونها بالعشى من المرعى إلى مراحها يقال: أراح الماشية إذا ردها إلى المراح وقتئذ { وَحِينَ تَسْرَحُونَ } تخرجونها غدوة من حظائرها ومبيتها إلى مسارحها ومراعيها يقال: سرحها يسرحها سرحاً وسروحاً وسرحت هي يتعدى ولا يتعدى، والفعل الأول وكذا الثاني متعد والمفعول محذوف لرعاية الفواصل، وتعيين الوقتين لأن ما يدور عليه أمر الجمال من تزين الأَفنية وتجاوب ثغائها ورغائها إنما هو عند الذهاب والمجيء في ذينك الوقتين، وأما عند كونها في المسارح فتنقطع إضافتها الحسية إلى أربابها، وعند كونها في الحظائر لا يراها راء ولا ينظر إليها ناظر. وتقديم الإراحة على السرح مع أنها متأخرة في الوجود عنه لكونها أظهر منه في استتباع ما ذكر من الجمال وأتم في استجلاب الانس والبهجة إذ فيها حضور بعد غيبة وإقبال بعد إدبار على أحسن ما يكون ملأى البطون حافلة الضروع وقرأ عكرمة والضحاك والجحدري { حينا } فيهما بالتنوين وفك الإضافة على أن كلتا الجملتين صفة لحينا قبلها والعائد محذوف كما في قوله تعالى: { { وَٱتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ } [البقرة: 48] أي حينا تريحون فيه وحينا تسرحون فيه، والعامل في { حِينَ } إما المبتدأ لأنه بمعنى التجمل كما قيل وإما خبره لما فيه من معنى الاستقرار. وجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف وقع صفة لجمال.