خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ
٨٠
-النحل

روح المعاني

{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ } معطوف على ما مر، وتقديم { لَكُمْ } على ما بعده للتشويق والإيذان من أول الأمر بأن هذا الجعل لمنفعتهم، وقوله تعالى: { مِن بُيُوتِكُمْ } تبيين لذلك المجعول المبهم في الجملة وتأكيد لما سبق من التشويق والإضافة للعهد أي من بيوتكم المعهودة التي تبنونها من الحجر والمدر والأخشاب { سَكَناً } فعل بمعنى مفعول كنقض وأنشد الفراء:

جاء الشتاء ولما أتخذ سكناً يا ويح نفسي من حفر القراميص

وليس بمصدر كما ذهب إليه ابن عطية أي موضعاً تسكنون فهي وقت إقامتكم، وجوز أن يكون المعنى تسكنون إليه من غير أن ينتقل من مكانه أي جعل بعض بيوتكم بحيث تسكنون إليه وتطمئنون به.

{ وَجَعَلَ لَكُمْ مّن جُلُودِ ٱلأَنْعَـٰمِ بُيُوتًا } أي بيوتاً أخر مغايرة لبيوتكم المعهودة وهي القباب المتخذة من/ الأدم والظاهر أنه لا يندرج في هذه البيوت البيوت المتخذة من الشعر والصوف والوبر، وقال ابن سلام وغيره: بالاندراج لأنها من حيث إنها ثابتة على جلودها يصدق عليها أنها من جلودها. واعترض بأن { مِنْ } على الأول تبعيضية وعلى إرادة البيوت التي من الشعر ونحوه ابتدائية، فإذا عمم ذلك يلزم استعمال المشترك في معنييه وأجيب بأن القائل بذلك لعله يرى جواز هذا الاستعمال، وممن قال بذلك البيضاوي وهو شافعي. وقيل: الجلود مجاز عن المجموع { تَسْتَخِفُّونَهَا } أي تجدونها خفيفة سهلة المأخذ فالسين ليست للطلب بل للوجدان كأحمدته وجدته محموداً { يَوْمَ ظَعْنِكُمْ } وقت ترحالكم في النقض والحمل { وَيَوْمَ إِقَـٰمَتِكُمْ } ووقت نزولكم وإقامتكم في مسايركم حسبما يتفق في الضرب والبناء، وجوز أن يكون المعنى تجدونها خفيفة في أوقات السفر وفي أوقات الحضر، واختار ابن المنير الأول وقال: إنه التفسير لأن المنة في خفتها في السفر أتم وأقوى إذ لا يهم المقيم أمرها، قال في «الكشف»: وهو حق، وقال بعض الفضلاء: ينبغي أن يكون الثاني أولى للعموم فإن حالتي السفر اندرجتا في يوم ظعنكم حيث أريد به مقابل الحضر والخفة على المقيم نعمة في حقه أيضاً فإنه يضربها وقد ينقلها من مكان إلى مكان قريب لداع يدعو إليه فالأولى أن لا تخلو الآية عن التعرض لذلك اهـ ولا يخفى أن الاندراج ظاهر إن أريد بالظعن مقابل الحضر وأما إذا أريد به مقابل النزول كما سمعت فغير ظاهر. نعم يجوز إرادة ذلك، وقرأ الحرميان وأبو عمرو { ظعنكم } بفتح العين وباقي السبعة بسكونها وهما لغتان والفتح على ما في "المعالم" أجزلهما، وقيل: الأصل الفتح والسكون تخفيف لأجل حرف الحلق كالشعر والشعر.

{ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا } عطف على قوله تعالى: { وَمِنْ جُلُودِ } والضمير للأنعام على وجه التنويع أي وجعل لكم من أصواف الضأن وأوبار الإبل وأشعار المعز { أَثَاثاً } أي متاع البيت كالفرش وغيرها كما قال المفضل، قال الفراء: لا واحد له من لفظه كما أن المتاع كذلك ولو جمعت قلت: أأثثة في القليل وأثث في الكثير. وقال أبو زيد: واحده أثاثة وأصله ـ كما قال الخليل ـ من قولهم: أثث النبات والشعر وهو أثيث إذا كثر قال امرؤ القيس:

وفرع يزين المتن أسود فاحم أثيث كقنو النخلة المتعثكل

ونصبه على أنه معطوف على { بُيُوتًا } مفعول { جعل } فيكون مما عطف فيه جار ومجرور مقدم ومنصوب على مثلهما نحو ضربت في الدار زيداً وفي الحجرة عمراً وهو جائز وليس بمستقبح كما زعم في "الإيضاح". وجوز أن يكون نصباً على الحال فيكون من عطف الجار والمجرور فقط على مثله أي وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها حال كونها أثاثاً. وتعقبه السمين بأن المعنى ليس على هذا وهو ظاهر.

{ وَمَتَـٰعاً } أي شيثاً يتمتع به وينتفع في المتجر والمعاش قاله المفضل، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما المتاع الزينة، وقال الخليل: الأثاث والمتاع واحد، والعطف لتنزيل تغاير اللفظ منزلة تغاير المعنى كما في قوله:

وألفى قولها كذباً وميناً

والأول أولى { إِلَىٰ حِينٍ } إلى انقضاء حاجاتكم منه، وعن مقاتل إلى بلى ذلك وفنائه؛ وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إلى الموت، والكلام في ترتيب المفاعيل مثله فيما مر غير مرة.