خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ
٨١
-النحل

روح المعاني

/ { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّمَّا خَلَقَ } من غير صنع منكم { ظِلَـٰلاً } أشياء تستظلون بها من الغمام والشجر والجبال وغيرها وهو الذي يقتضيه الظاهر وروي ذلك عن قتادة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد الاقتصار على الغمام، وعن الزجاج وقتادة أيضاً الاقتصار على الشجر، وعن ابن قتيبة الاقتصار على الشجر والجبال ولعل كل ذلك من باب التمثيل، وعن ابن السائب أن المراد ظلال البيوت وهو كما ترى، ومن سبحانه بما ذكر لأن تلك الديار كانت غالبة الحرارة { وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَـٰناً } مواضع تستكنون فيها من الغيران ونحوها، والواحد كن وأصله السترة من أكنه وكنه أي ستره ويجمع على أكنان وأكنة.

{ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } جمع سربال وهو كل ما يلبس أي جعل لكم لباساً من القطن والكتان والصوف وغيرها { تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } خصه بالذكر كما قال المبرد اكتفاء بذكر أحد الضدين عن الآخر أعني البرد، ولم يخص هو بالذكر اكتفاء لأن وقاية الحر أهم عندهم لما مر آنفاً.

وقال بعضهم: من الرأس خص الحر بالذكر لأن وقايته أهم. وتعقب دعوى الأهمية بأنه يبعدها ذكر وقاية البرد سابقاً في قوله تعالى: { { لَكُمْ فِيهَا دِفْء } [النحل: 5] ثم قيل: وهذا وجه الاقتصار على الحر هنا لتقدم ذكر خلافه ثمت.

واعترض بأنا لا نسلم أن إثبات الدفء هناك يبعد دعوى الأهمية بل في تغاير الأسلوبين ما يشعر بهذه الأهمية، وقال الزجاج: خص الحر بالذكر لأن ما يقي من الحر يقي من البرد، وذكر ذلك الزمخشري بعد ذكر الأهمية، وقال في «الكشف»: هو الوجه، وتخصيص الحر بالذكر لما قدمه في الوجه الأول يعني الأهمية، وما قيل: من أولوية الأول لقوله تعالى: { مّمَّا خَلَقَ ظِلَـٰلاً } فليس بشيء لأنه تعالى عقبه بقوله سبحانه: { مّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَـٰناً } كيف وهو في مقام الاستيعاب اهـ، وصاحب القيل هو ابن المنير، وقد اعترض أيضاً على قوله: إن ما يقي من الحر يقي من البرد بأنه خلاف المعروف فإن المعروف أن وقاية الحر رقيق القمصان ورفيعها ووقاية البرد ضده ولو لبس الإنسان في كل واحد من الفصلين القيظ والشتاء لباس الآخر لعد من الثقلاء اهـ فتدبر. { وَسَرٰبِيلَ } من الجواشن والدروع { تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } أي البأس الذي يصل من بعضكم إلى بعض في الحروب من الضرب والطعن، وقال بعضهم: أصل البأس الشدة وأريد به هنا الحرب، والكلام على حذف مضاف أي أذى بأسكم وعلى الأول لا حاجة إليه وقد رجح لذلك.

{ كَذٰلِكَ } أي مثل ذلك الإتمام للنعمة في الماضي { يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } في المستقبل، ومن هنا قيل:

كما أحسن الله فيما مضى كذلك يحسن فيما بقي

أو مثل هذا الإتمام البالغ يتم نعمته عليكم، وإفراد النعمة أما لأن المراد بها المصدر أو لإظهار أن ذلك بالنسبة إلى جناب الكبرياء شيء قليل. وقرأ ابن عباس { تتم } بتاء مفتوحة و { نعمته } بالرفع على الفاعلية وإسناد التمام إليها على الاتساع، وعنه أيضاً رضي الله تعالى عنه { نِعَمَهُ } بصيغة الجمع { لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } أي إرادة أن تنظروا فيما أسبغ عليكم من النعم فتعرفوا حق منعمها فتؤمنوا به تعالى وحده وتذروا ما كنتم به تشركون على أن الإسلام بمعناه المعروف أي رديف الإيمان، ويجوز أن يكون بمعناه اللغوي وهو الاستسلام والانقياد أي لعلكم تستسلمون له سبحانه وتنقادون لأمره عز وجل، وأياً ما كان فهو موضوع موضع سببه كما أشير إليه أو مكنى به عنه./ وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما { تسلمون } بفتح التاء واللام من السلامة أي تشكرون فتسلمون من العذاب أو تنظرون فيها فتسلمون من الشرك، وقيل: تسلمون من الجراح بلبس تلك السرابيل، ولا بأس أن يفسر ذلك بالسلامة من الآفات مطلقاً ليشمل آفة الحر والبرد، والأقرب إلى معنى قراءة الجمهور التفسير الثاني. هذا وفي بعض الآثار أن أعرابياً سمع قوله تعالى: { { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا } [النحل: 80] إلى آخر الآيتين فقال عند كل نعمة: اللهم نعم فلما سمع قوله سبحانه: { لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } اللهم هذا فلا فنزلت.