خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً
١١١
-الإسراء

روح المعاني

{ وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } رد على اليهود والنصارى وبني مليح حيث قالوا: عزير ابن الله والمسيح ابن الله تعالى والملائكة بنات الله سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً. ونفى اتخاذ الولد ظاهر في نفي التبني ويعلم منه نفي أن يكون له سبحانه ولداً لصلب من باب أولى، وقد نفى ذلك صريحاً في قوله تعالى { { لَمْ يَلِدْ } [الإخلاص: 3] { وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى ٱلْمُلْكِ } ظاهره أنه رد على الثنوية وهم المشركون في الربوبية، ويجوز أن يكون كناية عن نفي الشركة في الألوهية فيكون رداً على الوثنية { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ مَّنَ ٱلذُّلّ } أي ناصر ومانع له سبحانه من الذل لاعتزازه تعالى بنفسه فمن صلة لولي وضمن معنى المنع والنصر أو لم يوال تعالى أحداً من أجل مذلة فالولاية بمعنى المحبة على أصلها ومن تعليلية. وليس المعنى على الوجهين نفي الذل والنصر في الأول والموالاة والذل في الثاني على أسلوب ـ لا يهتدي بمناره ـ بل المراد أنه تعالى إذا اتخذ عبداً له ولياً فذلك محض الاصطناع في شأن العبد لا أن هناك حاجة، وكذلك نصر الله تعالى كمال للناصر لا أن ثمة حاجة ألا ترى إلى قوله سبحانه: { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [محمد: 7] وإلى هذا ذهب صاحب «الكشف» وهو حسن. وجعل ذلك على الوجهين الفاضل الطيبـي من ذاك الأسلوب. وفي «الحواشي الشهابية» في بيان ثاني الوجهين أن المراد نفي أن يكون له تعالى مولى يلتجىء هو سبحانه إليه، وأما الولي الذي يوصف به المؤمن فليس الولاية فيه بهذا المعنى بل بمعنى من يتولى أمره لمحبته له تفضلاً منه عز وجل ورحمة فغاير بين الولايتين، ولعل الحق مع صاحب «الكشف». ومن عجيب ما قيل إن { مِّنَ ٱلذُّلِّ } في موضع الصفة لولي ومن فيه للتبعيض وان الكلام على حذف مضاف أي لم يكن له ولي من أهل الذل والمراد بهم اليهود والنصارى، ولعمري انه لا ينبغي أن يلتفت إليه. وربما يتوهم أن المقام مقام التنزيه لا مقام الحمد لأنه يكون على الفعل الاختياري وبه وما ذكر من الصفات العدمية ويدفع بأنه لاق وصفه تعالى بما ذكر بكلمة التحميد لأنه يدل على نفي الإمكان المقتضي للاحتياج وإثبات أنه تعالى الواجب الوجود لذاته الغني عما سواه المحتاج إليه ما عداه فهو الجواد المعطي لكل قابل ما يستحق فهو تعالى المستحق للحمد دون غيره عز وجل، وهذا الذي عناه الزمخشري وقال في «الكشف»: لك أن تتخذ نفي هذه الصفات وهي ذرائع منع المعروف أما الولد فلأنه مبخلة، وأما الشريك فلأنه مانع من التصرف كيف يشاء، وأما الاحتياج إلى من يعتز به أو يذب عنه فأظهر رديفاً لإثبات أضدادها على سبيل / الكناية وهو وجه حسن؛ ولو حمل الكلام على ظاهره أيضاً لكان له وجه وذلك لأن قول القائل الحمد لله فيه ما ينبىء أن الإلٰهية تقتضي الحمد فإذا قلت الحمد لله المنزه عن النقائص مثلاً يكون قد قويت معنى الإلٰهية المفهومة من اللفظ فيكون وصفاً لائقاً مؤيداً لاستحقاقه تعالى الحمد من غير نظر إلى مدخلية الوصف في الحمد بالاستقلال وهذا بين مكشوف إلا أن الزمخشري حاول أن ينبه على مكان الفائدة الزائدة اهـ. وتعقب بأن ما ذكره من أن في الحمد لله ما ينبىء أن الإلٰهية تقتضي الحمد لا يتم على مذهب مانعي الاشتقاق في الاسم الكريم وفيه تأمل. والآية على ما قال العلامة الطيبـي من التقسيم الحاصر لأن المانع من إيتاء النعم إما فوقه سبحانه وتعالى أو دونه أو مثله عز وجل فبني الكلام على الترقي وبدىء من الأدون وختم بالأعلى فنفي الكل فمنه ولد الكثرة وله القل والدق والجل تعالى كبرياؤه وعظمت نعماؤه.

ولدلالة ما تقدم على أنه تعالى هو الكامل وما عداه ناقص استحق التكبير ولذا عطف عليه قوله سبحانه وتعالى { وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً } والتكبير أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال. وفي الأمر بذلك بعدما تقدم مؤكداً بالمصدر المنكر من غير تعيين لما يعظم به تعالى إشارة إلى أنه مما لا تسعه العبارة ولا تفي به القوة البشرية وإن بالغ العبد في التنزيه والتمجيد واجتهد في العبادة والتحميد فلم يبق إلا الوقوف بأقدام المذلة في حضيض القصور والاعتراف بالعجز عن القيام بحقه جل وعلا وإن طالت القصور. وروى غير واحد أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم الغلام من بني عبد المطلب إذا أفصح { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } إلى آخر الآية سبع مرات وسماها عليه الصلاة والسلام كما أخرج أحمد والطبراني عن معاذ آية العز، وأخرج أبو يعلى وابن السني عن أبـي هريرة قال: "خرجت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ويدي في يده فأتى على رجل رث الهيئة فقال: أي فلان ما بلغ بك ما أرى قال: السقم والضر قال صلى الله عليه وسلم ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضر توكلت على الحي الذي لا يموت { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } الآية فأتى عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد حسنت حالته فقال: مهيم. فقال: لم أزل أقول الكلمات التي علمتني" . وأخرج ابن أبـي الدنيا في كتاب «الفرج» والبيهقي في «الأسماء والصفات» عن إسمٰعيل بن أبـي فديك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كربني أمر إلا مثل لي جبريل عليه السلام فقال: يا محمد قل: توكلت على الحي الذي لا يموت و{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا }" إلى آخر الآية، وأخرج ابن السني والديلمي عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها أن النبـي عليه الصلاة والسلام قال لها إذا أخذت مضجعك فقولي: "الحمد لله الكافي سبحان الله الأعلى حسبـي الله وكفى ما شاء الله قضى سمع الله لمن دعا ليس من الله ملجأ ولا وراء الله ملتجى توكلت على ربـي وربكم { مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [هود: 56]، { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } ـ إلى { وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً } ثم قال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يقرأها عند منامه ثم ينام وسط الشياطين والهوام فتضره" هذا وما ألطف المناسبة بين ابتداء هذه السورة وهذا الختام وليس ذلك بدعاً في كلام اللطيف العلام.

ومن باب الإشارة في الآيات: { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ } [الإسراء: 73] إلى آخره تنبيه لحبيبه صلى الله عليه وسلم عن الوقوع فيما يخل بحفظ شرائط المحبة وفيه إشارة إلى إيصاله إلى مقام التمكين { أَقِمِ ٱلصَّلَٰوةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ } الآية، ذكر أن الصلاة على خمسة أقسام صلاة المواصلة والمناغاة في مقام الخفي وصلاة المشاهدة في مقام الروح وصلاة المناجاة في مقام السر وصلاة الحضور في مقام القلب وصلاة المطاوعة والانقياد في مقام النفس. فدلوك الشمس إشارة إلى زوال شمس الوحدة عن الاستواء على وجود العبد بالفناء المحض فإنه لا صلاة في حال الاستواء إذ لا وجود / للعبد حينئذ ولا شعور له بنفسه، وإنما تجب بالزوال وحدوث ظل وجود العبد سواء عند الاحتجاب بالخلق وهو حالة الفرق قبل الجمع أو عند البقاء وهو حالة الفرق بعد الجمع، وغسق الليل إشارة إلى غسق ليل النفس وقرآن الفجر إشارة إلى قرآن فجر القلب، وأدل الصلوات وألطفها صلاة المواصلة وأفضلها صلاة الشهود المشار إليها بصلاة العصر وأخفها صلاة السر المشار إليها بصلاة المغرب وأشدها تثبيتاً للنفس صلاة النفس المشار إليها بصلاة العشاء وأزجرها للشيطان صلاة الحضور المشار إليها بالفجر { { إنَّ قُرآنَ الفَجْرِ كَانَ مشْهُوداً } [الإسراء: 78] أي تشهده ملائكة الليل والنهار؛ وهذا إشارة إلى نزول صفات القلب وأنوارها وذهاب صفات النفس وزوالها، { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } أي زيادة على الفرائض الخمس خاصة بك قيل لكونه علامة مقام النفس فيجب تخصيصه بزيادة الطاعة لزيادة احتياج هذا المقام إلى الصلاة بالنسبة إلى سائر المقامات، وقيل إنما خص صلى الله عليه وسلم بالتهجد لأن الليل وقت خلوة المحب بالحبيب وهو عليه الصلاة والسلام الحبيب الأعظم، والخليل المكرم { عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا } [الإسراء: 79] وهو مقام إلحاق الناقص بالكامل والكامل بالأكمل { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي } حضرة الوحدة في عين الجمع { مُدْخَلَ صِدْقٍ } إدخالاً مرضياً بلا آفة زيغ البصر إلى الالتفات إلى الغير أصلاً؛ { وَأَخْرِجْنِى } إلى فضاء الكثرة عند الرجوع إلى التفصيل بالوجود الموهوب الحقاني { مُخْرَجَ صِدْقٍ } سالماً من آفة التلوين والانحراف عن جادة الاستقامة { { وَٱجْعَل لّى مِن لَّدُنْكَ سُلْطَـٰناً نَّصِيرًا } [الإسراء: 80] حجة ناصرة بالتثبيت والتمكين { وَقُلْ } إذا زالت نقطة الغين عن العين { جَاء ٱلْحَقُّ } أي ظهر الوجود الثابت وهو الوجود الواجبـي { وَزَهَقَ ٱلْبَـٰطِلُ } [الإسراء: 81] وهو الوجود الإمكاني، ففي الحديث الصحيح أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد:

إلا كل شيء ما خلا الله باطل

ويقال الحق العلم والباطل الجهل والحق ما بدا من الإلهام والباطل هواجس النفس ووساوس الشيطان. وقال فارس: كل ما يحملك على سلوك سبيل الحقيقة فهو حق وكل ما يحجبك ويفرق عليك وقتك فهو باطل { وَنُنَزّلُ مِنَ ٱلْقُرْءانِ مَا هُوَ شِفَاء } من أمراض الصفات الذميمة { وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ } بالغيب يفيدهم الكمالات والفضائل العظيمة فالأول إشارة إلى التخلية والثاني إلى التحلية، ويقال هو شفاء من داء الشك لضعفاء المؤمنين ومن داء النكرة للعارفين ومن وجع الاشتياق للمحبين ومن داء القنوط للمريدين والقاصدين، وأنشدوا:

وكتبك حولي لا تفارق مضجعي وفيها شفاء للذي أنا كاتم

{ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ } الباخسين حظوظهم من الكمال بالميل إلى الشهوات النفسانية { إَلاَّ خَسَارًا } [الإسراء: 82] بزيادة ظهور أنفسهم بصفاتها من إنكار ونحوه { وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَـٰنِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ } فاحتجب بالنعمة عن المنعم ولم يشكر { { وَإِذَا مَسَّهُ الشرُّ كان يَئوساً } [الإسراء: 83] لجهله بعظيم قدرة الله تعالى ولم يصبر { { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ } [الإسراء: 84] على طريقته التي تشاكل استعداده وكل اناء بالذي فيه يرشح { وَيَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّى } أي من عالم الإبداع وهو عالم الذوات المقدسة عن الشكل واللون والجهة والأين فلا يمكن إدراك المحجوبين لها { وَمَا أُوتِيتُم مّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [الإسراء: 85] وهو علم المحسوسات { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ } بنوره بمقتضى العناية الأزلية { فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ } دون غيره { وَمَن يُضْلِلْ } بمنع ذلك النور عنه { فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ } تعالى يهدونه أو يحفظونه من قهره عز وجل { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } لانجذابهم إلى الجهة السفلية { عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا } [الإسراء: 97] لأنها أحوال تناسب أحوالهم في الدنيا { إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا } [الإسراء: 107] لعلمهم بحقيته، ووقوفهم على ما أودع فيه من الأسرار { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ } [الإسراء: 109] لعظمته أو شوقاً لمنزله وحباً للقائه، قال أبو يعقوب السوسي: البكاء على أنواع بكاء من الله تعالى وهو أن يبكي خوفاً مما جرى به القلم في الفاتحة ويظهر في الخاتمة وبكاء على الله عز وجل وهو أن يبكي تحسراً على ما يفوته من الحق تعالى، وبكاء لله تبارك وتعالى وهو أن يبكي عند ذكره سبحانه وذكر وعده ووعيده وبكاء بالله تعالى وهو أن يبكي بلا حظ منه في بكائه. وقال القاسم: البكاء على وجوه بكاء الجهال على ما جهلوا وبكاء العلماء على ما قصروا وبكاء الصالحين مخافة الفوت، وبكاء الأئمة مخافة السبق وبكاء الفرسان من أرباب القلوب للهيبة والخشية ولا بكاء للموحدين. وفي الآية إشارة ما إلى السماع ولا أشرف من سماع القرآن فهو الروح والريحان { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } قيل دعاء الله بالفناء في الذات ودعاء الرحمن بالفناء في الصفة وصفة الرحمانية هي أم الصفات وبها استوى سبحانه على عرشه، ومن ذلك يعلم أنه ليس المراد من الإيجاد إلا رحمة الموجودين { أَيّا مَّا تَدْعُواْ } أي أياً ما طلبت من هذين المقامين { فَلَهُ } تعالى في هذين المقامين { ٱلأَسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰ } [الإسراء: 110] لا لك إذ لست هناك بموجود أما في الفناء في الذات فظاهر وأما في الفناء في الصفة المذكورة فلأن الرحمن لا يصلح اسماً لغير تلك الذات ولا يمكن ثبوت تلك الصفة لغيرها، ولا يخفى عليك أن ضمير (له) على هذا التأويل عائد على ما عاد إليه على التفسير. وفي «الفتوحات المكية» أنه تعالى جعل الأسماء الحسنى لله كما هي للرحمن غير أن الاسم له معنى وصورة فيدعى الله بمعنى الاسم ويدعي الرحمن بصورته لأن الرحمن هو المنعوت بالنفس وبالنفس ظهرت الكلمات الإلٰهية في مراتب الخلاء الذي ظهر فيه العالم فلا ندعوه إلا بصورة الاسم وله صورتان صورة عندنا من أنفاسنا وتركيب حروفنا وهي التي ندعوه بها وهي أسماء الأسماء الإلٰهية وهي كالخلع عليها ونحن بصورة هذه الأسماء مترجمون عن الأسماء الإلٰهية ولها صور من نفس الرحمن من كونه قائلاً ومنعوتاً بالكلام وخلف تلك الصور المعاني التي هي كالأرواح للأسماء الإلٰهية التي يذكر الحق بها نفسه وهي من نفس الرحمن فله الأسماء الحسنى وأرواح تلك الصور هي التي لاسم الله خارجة عن حكم النفس لا تنعت بالكيفية وهي لصور الأسماء النفسية الرحمانية كالمعاني للحروف، ولما علمنا هذا وأمرنا بأن ندعوه سبحانه وخيرنا بين الاسمين الجليلين فإن شئنا دعوناه بصور الأسماء النفسية الرحمانية وهي الهمم الكونية التي في أرواحنا وإن شئنا دعوناه بالأسماء التي من أنفاسنا بحكم الترجمة فإذا تلفظنا بها أحضرنا في نفوسنا أما الله فننظر المعنى وأما الرحمن فننظر صورة الاسم الإلٰهي النفسي الرحماني كيفما شئنا فعلنا فإن دلالة الصورتين منا ومن الرحمن على المعنى واحد سواء علمنا ذلك أو لم نعلمه اهـ، وهو كلام يعسر فهمه إلا على من شاء الله تعالى بيد أن ليس فيه حمل الدعاء على ما سمعت { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا } فضلاً عن أن يكون له سبحانه ولد بطريق التولد { وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِى ٱلْمُلْكِ } فلا مدخل لغيره تعالى في ملكية شيء على الحقيقة وما يوجد بسبب ليس السبب إلا آلة له ولا تملك الآلة شيئاً بل لا شيء إلا وهو صنعه تعالى على الحقيقة والسرير مثلاً وإن أضيف إلى النجار من حيث الصنعة إلا أنه في الحقيقة آلة كالقدوم ولا يضاف العمل إلى الآلة على الحقيقة كذا قيل. وللشيخ قدس سره كلام في هذا المقام يفصح عن بعض هذا ذكره في الباب الثامن والتسعين بعد المائة فارجع إليه وتدبر، وكذا له كلام في قوله سبحانه { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ مَّنَ ٱلذُّلّ } لكن يغني عنه ما قدمناه { وَكَبّرْهُ تَكْبِيرًا } [الإسراء: 111] قال بعضهم: تكبيره تعالى أن تعلم أنك لا تطيق أن تكبره إلا به. وقال ابن عطاء تكبيره عز وجل بتعظيم منته وإحسانه في القلب بالعلم بالتقصير في الشكر وكيف يوفي / أحد شكره تعالى ونعمه جل وعلا لا تحصى وآلاؤه لا تستقصى. هذا وقد تم بفضل الله تعالى تفسير هذه السورة الكريمة.