خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً
٣٨
-الإسراء

روح المعاني

{ كُلُّ ذٰلِكَ } المذكور في تضاعيف الأوامر والنواهي السابقة من الخصال المنحلة إلى نيف وعشرين { كَانَ سَيّئُهُ } وهو ما نهى عنه منها من الجعل مع الله سبحانه إلٰهاً آخر وعبادة غيره تعالى والتأفيف والنهر والتبذير وجعل اليد مغلولة إلى العنق وبسطها كل البسط وقتل الأولاد خشية إملاق وقتل النفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق وإسراف الولي في القتل وقفو ما ليس بمعلوم والمشي في الأرض مرحاً فالإضافة لامية من إضافة البعض إلى الكل { عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا } أي مبغضاً وإن كان مراداً له تعالى بالإرادة التكوينية وإلا لما وقع كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم "ما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ لم يكن" وغير ذلك. وليست هذه الإرادة مرادفة أو ملازمة للرضا ليلزم اجتماع الضدين الإرادة المذكورة والكراهة كما يزعمه المعتزلة. وهذا تتميم لتعليل الأمور المنهى عنها جميعاً. ووصف ذلك بمطلق الكراهة مع أن أكثره من الكبائر للإيذان بأن مجرد الكراهة عنده تعالى كافية في وجوب الكف عن ذلك، وتوجيه الإشارة إلى الكل ثم تعيين البعض دون توجيهها إليه ابتداء لما قيل: من أن البعض المذكور ليس بمذكور جملة بل على وجه الاختلاط لنكتة اقتضته، وفيه إشعار بكون ما عداه مرضياً عنده سبحانه وإنما لم يصرح بذلك إيذاناً بالغنى عنه، وقيل اهتماماً بشأن التنفير عن النواهي لما قالوا من أن التخلية أولى من التحلية ودرء المفاسد أهم من جلب المصالح وجوز أن تكون الإضافة بيانية و { ذٰلِكَ } إما إشارة إلى جميع ما تقدم ويؤخذ من المأمورات أضدادها وهي منهي عنها كما في قوله تعالى: { { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً } [الأنعام: 151] بعد قوله سبحانه { { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } [الأنعام: 151] وإما إشارة إلى ما نهى عنه صريحاً فقط.

وقرأ الحجازيان والبصريان { سيئة } بفتح الهمزة وهاء التأنيث والنصب على أنه خبر { كان }، والإشارة إلى ما نهى عنه صريحاً وضمناً أو صريحاً فقط، و { مَكْرُوهًا } قيل بدل من { سيئة } والمطابقة بين البدل والمبدل منه غير معتبرة. وضعف بأن بدل المشتق قليل، وقيل: صفة { سيئة } محمولة على المعنى فإنها بمعنى سيئاً وقد قرىء به أو أن السيئة قد زال عنها معنى الوصفية وأجريت مجرى الجوامد فإنها بمعنى الذنب أو تجري الصفة على موصوف مذكر أي أمراً مكروهاً، وقيل: إنه خبر لكان أيضاً ويجوز تعدد خبرها على الصحيح، وقيل: حال من المستكن في { كَانَ } أو في الظرف بناء على جعله صفة { سيئة } لا متعلقاً بمكروهاً فيستتر فيه ضميرها، والحال على هذا مؤكدة. وأنت تعلم أن ضمير السيئة المستتر مؤنث فجعل مكروهاً حالاً منه كجعله صفة { سيئة } في الاحتجاج إلى التأويل، وإضماره مذكراً كما في قوله:

ولا أرض أبقل ابقالها

لا يخفى ما فيه. وعن أبـي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قرأ { شأنه }.