خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالُوۤاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً
٤٩
-الإسراء

روح المعاني

{ وَقَالُواْ أَءذَا كُنَّا عِظَـٰماً وَرُفَـٰتاً } عطف على { { ضَرَبُواْ } [الإسراء: 48] ولما عجب من ضربهم الأمثال عطف عليه أمراً آخر يعجب منه أيضاً. وفي «الكشف» الأظهر أن يكون هذا إلى تمام المقالات الثلاث تفسيراً لِـ { ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ } [الإسراء: 48] ألا ترى إلى قوله تعالى: { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً } [الكهف: 32] وتفسيره بمثلوك غير ظاهر بل الظاهر مثلوا لك، ولا خفاء أن تجاوب الكلام على ما ذكرنا أتم، وذلك أنه لما ذكر استهزاءهم به صلى الله عليه وسلم وبالقرآن عجبه من استهزائهم بمضمونه من البعث دلالة على أنه أدخل في التعجب لأن العقل أيضاً يدل عليه ولكن على سبيل الإجمال، وأما على تفسير { ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ } [الإسراء: 48] بمثلوك فوجهه أن يكون معطوفاً على قوله سبحانه: { فَضَلُّواْ } [الإسراء: 48] لأنه باب من أبواب الضلال أو على مقدر دل عليه { كَيْفَ ضَرَبُواْ } [الإسراء: 48] لأن معناه مثلوك وقالوا شاعر ساحر مجنون وقالوا: { أَءِذَا كُنَّا } الخ اهـ.

ولا يخفى أنه على التفسير الذي اختاره يكون { قَالُواْ } معطوفاً على { { ضَرَبُواْ } [الإسراء: 48] أيضاً عطفاً تفسيرياً لكن الظاهر فيه حينئذ الفاء وأنه لا يحتاج على ما ذكرنا إلى تكلف العطف على مقدر والارتباط عليه لا يقصر عن الارتباط الذي ذكره، وعطفه على { { فَضَلُّواْ } [الإسراء: 48] مما لا يحسن لعدم ظهور دخوله معه في حيز الفاء، والاعتراض على التفسير بمثلوك بأنهم ما مثلوه عليه الصلاة والسلام بالشاعر والساحر مثلاً بل قالوا تارة كذا وأخرى كذا، وأيضاً كان الظاهر أن يقال فيك بدل { { لك } [الإسراء: 48] ليس بشيء لأن ما ذكروه على طريق التشبيه لتقريعه صلى الله عليه وسلم وعجزهم عن معارضته، و { { لك } [الإسراء: 48] أظهر من فيك لأنه عليه الصلاة والسلام الممثل له. هذا وأقول: انظر هل ثم مانع من عطف { قَالُواْ } على { { يَقُولُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } [الإسراء: 47] وجعل هذا القول مما يتناجون به أيضاً وإعلانهم به أحياناً لا يمنع من هذا الجعل وكذا اختلاف المتعاطفين ماضوية ومضارعية لا يمنع من العطف، نعم يحتاج إلى نكتة ولا أظنها تخفى فتدبر. والرفات ما تكسر وبلى من كل شيء، وكثر بناء فعال في كل ما تحطم وتفرق كدقاق وفتات. وأخرج ابن جرير وغيره عن مجاهد أنه التراب وهو قول الفراء، وأخرج ابن المنذر وغيره عن ابن عباس / أنه الغبار، وقال المبرد: هو كل شيء مدقوق مبالغ في دقه وهي أقوال متقاربة. والهمزة للاستفهام الإنكاري مفيدة لكمال الاستبعاد والاستنكار للبعث بعد ما آل الحال إلى هذا المآل كأنهم قالوا: إن ذلك لا يكون أصلاً. ومنشؤه أن بين غضاضة الحي وطراوته المقتضية للاتصال المقتضي للحياة وبين يبوسة الرميم المقتضية للتفرق المقتضي لعدم الحياة تنافياً.

و { إِذَا } هنا كما في «الدر المصون» متمحضة للظرفية والعامل فيها ما دل عليه قوله تعالى: { أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } لا نفسه لأن (إن) لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها - وكذا الاستفهام وإن كان تأكيداً مع كون الاستفهام بالفعل أولى - وهو نبعث أو نعاد وهو مصب الإنكار، وتقييده بالوقت المذكور لتقوية إنكار البعث بتوجيهه إليه في حالة منافية له وإلا فالظاهر من حالهم أنهم منكرون للإحياء بعد الموت وإن كان البدن على حاله. وجوز أن تكون شرطية وجوابها مقدر أي نبعث أو نحوه وهو العامل فيها. وقيل الشرط والمعنى أنبعث وقد كنا رفاتاً في وقت وهو مذهب لبعض النحويين غير مشهور ولا معول عليه. وتحلية الجملة بإن واللام لتأكيد الإنكار لا لإنكار التأكيد كما عسى يتوهم من ظاهر النظم. وليس مدار إنكارهم كونهم ثابتين في المبعوثية بالفعل في حال كونهم عظاماً ورفاتاً كما يتراءى من ظاهر الجملة الاسمية بل كونهم بعرضية ذلك واستعدادهم له، ومرجعه إلى إنكار البعث بعد تلك الحالة، وفيه من الدلالة على غلوهم في الكفر وتماديهم في الضلال ما لا مزيد عليه قاله بعض المحققين. { خَلْقاً جَدِيداً } نصب بمبعوثين على أنه مفعول مطلق له من غير لفظ فعله أو حال على أن الخلق بمعنى المخلوق ووحد لاستواء الواحد في المصدر وإن أريد منه اسم المفعول أي مخلوقين.