خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ ٱلرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً
٦٩
-الإسراء

روح المعاني

{ أَمْ أَمِنتُمْ } أي بل أأمنتم { أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ } أي في البحر الذي نجاكم منه فأعرضتم بركوب الفلك لا في الفلك لأنها مؤنثة. وأوثرت كلمة في على كلمة إلى المنبئة عن مجرد الانتهاء للدلالة على استقرارهم فيه { تَارَةً أُخْرَىٰ } أي مرة غير المرة الأولى. وهو منصوب على الظرفية ويجمع على تارات وتير، كما في قوله:

يقوم تـارات ويمشي تـيرا

وربما حذفوا منه الهاء كقوله:

بالويل تارا والثبور تارا

وإسناد الإعادة إليه تعالى مع أن العود باختيارهم ومما ينسب إليهم وإن كان مخلوقاً له سبحانه كسائر أفعالهم باعتبار خلق الدواعي فيهم الملجئة إلى ذلك. وفيه إيماء إلى كمال شدة هول ما لاقوه في التارة الأولى بحيث لولا الإعادة ما عادوا { فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ } وأنتم في البحر { قَاصِفًا مّنَ ٱلرّيحِ } وهي الريح الشديدة التي تقصف ما تمر به من الشجر ونحوه أو التي لها قصيف وهو الصوت الشديد كأنها تتقصف أي تتكسر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: القاصف من الريح الريح التي تغرق، وقيل: الريح المهلكة في البر حاصب والريح المهلكة في البحر قاصف والعاصف كالقاصف كما روي عن عبد الله بن عمرو، وفي رواية عن ابن عباس تفسير القاصف بالعاصف. وقرأ أبو جعفر { من ٱلرياح } بالجمع { فَيُغْرِقَكُم } الله سبحانه بواسطة ما ينال فلككم من القاصف. وقرأ أبو جعفر { فتغرقكم } بالتاء ثالثة الحروف على أن الفعل مسند إلى الريح، والحسن وأبو رجاء { فيغرِقَكم } بالياء آخر الحروف وفتح الغين وشد الراء، وفي رواية عن أبـي جعفر كذلك إلا أنه بالتاء لا الياء، وقرأ حميد بالنون وإسكان الغين وإدغام القاف في الكاف ورويت عن أبـي عمرو وابن محيصن { بِمَا كَفَرْتُمْ } أي بسبب كفركم السابق وهو إعراضهم عند الإنجاء في المرة الأولى، وقيل: بسبب كفركم الذي هو دأبكم دائماً.

{ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا } أي نصيراً كما روى عن ابن عباس أو ثائراً يطلبنا بما فعلنا انتصاراً منا أو دركاً للثأر من جهتنا فهو كقوله تعالى: { فَسَوَّاهَا * وَلاَ يَخَافُ عُقْبَـٰهَا } [الشمس: 14-15] كما روي عن مجاهد. وضمير { بِهِ } قيل للإرسال، وقيل: للإغراق، وقيل: لهما باعتبار ما وقع ونحوه كما أشير إليه وكأنه سبحانه لما جعل الغرق بين الإعادة إلى البحر انتقاماً في مقابلة الكفر عقبه تعالى بنفي وجدان التبيع فكأنه قيل ننتقم من غير أن يقوم لنصركم فهو وعيد على وعيد وجعل ما قبل من شق العذاب كمس الضر في البحر عقبه بنفي وجدان الوكيل فكأنه قيل لا تجدون من تتكلون عليه في دفعه غيره تعالى لقوله سبحانه: { ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ } [الإسراء: 67] وهذا اختيار صاحب «الكشف» فلا تغفل.