خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً
٣٩
-الكهف

روح المعاني

{ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ } حض على القول وتوبيخ على تركه. وتقديم الظرف على المحضض عليه للإيذان بتحتم القول في آن الدخول من غير ريث [لا] للقصر، وجاز تقديمه لذلك وجعله فاصلاً بين { لَوْلاَ } وفعلها لتوسعهم في الظروف أي هلا قلت عندما دخلتها { مَا شَاء ٱللَّهُ } أي الأمر ما شاء الله أو ما شاء الله تعالى كائن على أن ما موصولة مرفوعة المحل إما على أنها خبر مبتدأ محذوف أو على أنها مبتدأ محذوف الخبر. ويجوز أن تكون شرطية في محل نصب بشاء والجواب محذوف أي أي شيء شاء الله تعالى كان. وأياً ما كان فالمراد تحضيضه على الاعتراف بأن جنته وما فيها بمشيئة الله تعالى إن شاء أبقاها وإن شاء أبادها، ودلالة الجملة على العموم الداخل فيه ما ذكر دخولاً أولياً على التقدير الأول لأن تعريف الأمر للاستغراق، والجملة على هذا تفيد الحصر وأما على غيره فقيل لأن ما شرطية أو موصولة وهي في معنى الشرط والشرط وما في معناه يفيد توقف وجود الجزاء على ما في حيزه فيفيد عدمه عند عدمه فيكون المعنى ما شاء كان وإن لم يشأ لم يكن، ولا غبار على ذلك عند من يقول بمفهوم الشرط، وقدر بعضهم في الثاني من احتمالي الموصولة ما شاء الله هو الكائن حتى تفيد الجملة ما ذكر وليس بشيء كما لا يخفى. وزعم القفال من المعتزلة أن التقدير هذا ما شاءه الله تعالى والإشارة إلى ما في الجنة من الثمار ونحوها، وهذا كقول الإنسان إذا نظر إلى كتاب مثلاً: هذا خط زيد، ومراده نفي دلالة الآية على العموم ليسلم له مذهب الاعتزال، وكذلك فعل الكعبـي والجبائي حيث قالا: الآية خاصة فيما تولى الله تعالى فعله ولا تشمل ما هو من فعل العباد ولا يمتنع أن يحصل في سلطانه سبحانه ما لا يريد كما يحصل فيه ما ينهى عنه، ولا يخفى على من له ذوق سليم وذهن مستقيم أن المنساق إلى الفهم العموم وكم للمعتزلة عدول عن ذلك.

{ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } من مقول القول أيضاً أي هلا قلت ذلك اعترافاً بعجزك وإقراراً بأن ما تيسر لك من عمارتها وتدبير أمرها إنما هو بمعونته تعالى وإقداره جل جلاله. وقد تضمنت هذه الآية ذكراً جليلاً أيضاً، فقد أخرج أحمد "عن أبـي هريرة قال: قال لي نبـي الله صلى الله عليه وسلم ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش؟ قلت: نعم قال: أن تقول لا قوة إلا بالله / قال عمرو بن ميمون: قلت لأبـي هريرة: لا حول ولا قوة إلا بالله فقال: لا إنها في سورة الكهف { وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ }" الآية. وأخرج ابن أبـي حاتم عن عمرو بن مرة قال: «إن من أفضل الدعاء قول الرجل ما شاء الله»، وأخرج أبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في «الشعب» عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أنعم الله تعالى على عبد نعمة في أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله إلا دفع الله تعالى عنه كل آفة حتى تأتيه منيته وقرأ { وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ }" الخ. وأخرج ابن أبـي حاتم من وجه آخر عن أنس قال: من رأى شيئاً من ماله فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يصب ذلك المال آفة أبداً وقرأ الآية، وأخرجه البيهقي في «الشعب» عن أنس مرفوعاً. وأخرج ابن أبـي حاتم عن مطرف قال: كان مالك إذا دخل بيته يقول: ما شاء الله قلت لمالك: لم تقول هذا؟ قال: ألا تسمع الله تعالى يقول: { وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء ٱللَّهُ } ونقل عن ابن العربـي أن مالكاً يستدل بالآية على استحباب ما تضمنته من الذكر لكل من دخل منزله. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبـي حاتم والبيهقي في «الشعب» عن عروة أنه كان إذا رأى من ماله شيئاً يعجبه أو دخل حائطاً من حيطانه قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله ويتأول قول الله تعالى: { وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ } الآية، ويفهم من بعض الروايات استحباب قول ذلك عند رؤية ما يعجب مطلقاً سواء كان له أو لغيره وأنه إذا قال ذلك لم تصبه عين الإعجاب.

{ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا } الخ { أَنَاْ } توكيد للضمير المنصوب على المفعولية في { ترني } وقد أقيم ضمير الرفع مقام ضمير النصب. والرؤية إن كانت علمية فأقل مفعول ثان وإن كانت بصرية فهو حال من المفعول، ويجوز أن يكون { أَنَاْ } فصلاً وحينئذٍ يتعين أن تكون الرؤية علمية لأن الفصل إنما يقع بين مبتدأ وخبر في الحال أو في الأصل. وقرأ عيسى بن عمر { أقَل } بالرفع فيكون { أنا } مبتدأ و { أقَل } خبره والجملة في موضع المفعول الثاني على الأول من احتمالي الرؤية أو الحال على الثاني منهما و { مَالاً وَوَلَدًا } تمييز على القراءتين وما فيهما من الاحتمال.