خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً
١٧
-مريم

روح المعاني

{ فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً } / وكونه شرقياً كان أمراً اتفاقياً. وأخرج ابن أبـي حاتم عن ابن عباس أن أهل الكتاب كتب عليهم الصلاة إلى البيت والحج إليه وما صرفهم عنه إلا قيل ربك { { ٱنْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً } [مريم: 16] فلذلك صلوا قبل مطلع الشمس، وفي رواية إنما اتخذت النصارى المشرق قبلة لأن مريم انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً، وقد قدمنا عن بعض أنهم كانوا في زمن عيسى عليه السلام يستقبلون بيت المقدس وأنهم ما استقبلوا الشرق إلا بعد رفعه عليه السلام زاعمين أنه ظهر لبعض كبارهم فأمره بذلك، وجوز أن يكون اختاره الله تعالى لها لأنه مطلع الأنوار. وقد علم سبحانه أنه حان ظهور النور العيسوي منها فناسب أن يكون ظهور النور المعنوي في جهة ظهور النور الحسي وهو كما ترى، وروي أنه كان موضعها في المسجد فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها وإذا طهرت عادت إلى المسجد فبينما هي في مغتسلها أتاها الملك عليه السلام في صورة شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر، وذلك قوله عز وجل: { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا } أي جبرائيل عليه السلام كما قاله الأكثر، وعبر عنه بذلك لأن الدين يحيا به وبوحيه فهو مجاز. والإضافة للتشريف كبيت الله تعالى. وجوز أن يكون ذلك كما تقول لحبيبك أنت روحي محبة له وتقريباً فهو مجاز أيضاً إلا أنه مخالف للأول في الوجه والتشريف عليه في جعله روحاً. وقال أبو مسلم: المراد من الروح عيسى عليه السلام لقوله تعالى: { { وَرُوحٌ مّنْهُ } [النساء: 171] وضمير تمثل الآتي للملك وليس بشيء. وقرأ أبو حيوة وسهل { رُوحَنَا } بفتح الراء، والمراد به جبريل عليه السلام أيضاً لأنه سبب لما فيه روح العباد وإصابة الروح عند الله تعالى الذي هو عدة المقربين في قوله تعالى { { فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } [الواقعة: 88-89] أو لأنه عليه السلام من المقربين وهم الموعودون بالروح أي مقربا أو ذا روحنا. وذكر النقاش أنه قرىء { روحنا } بتشديد النون اسم ملك من الملائكة عليهم السلام.

{ فَتَمَثَّلَ لَهَا } مشتق من المثال وأصله أن يتكلف أن يكون مثال الشيء، والمراد فتصور لها { بَشَراً سَوِيّاً } سوي الخلق كامل البنية لم يفقد من حسان نعوت الآدمية شيئاً، وقيل تمثل في صورة قريب لها اسمه يوسف من خدم بيت المقدس وذلك لتستأنس بكلامه وتتلقى منه ما يلقي إليها من كلماته إذ لو بدا لها على الصورة الملكية لنفرت منه ولم تستطع مفاوضته، وما قيل من أن ذلك لتهيج شهوتها فتنحدر نطفتها إلى رحمها فمع ما فيه من الهجنة التي ينبغي أن تنزه مريم عنها يكذبه قوله تعالى: { قَالَتْ إِنّى أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ ... }.