{ يَا زَكَرِيَّا } على إرادة القول أي قيل له أو قال الله تعالى يا زكريا { إِنَّا نُبَشّرُكَ بِغُلَـٰمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ } لكن لا بأن يخاطبه سبحانه وتعالى بذلك بالذات بل بواسطة الملك كما يدل عليه آية أخرى على أن يحكي [له] عليه السلام العبارة عنه عز وجل على نهج قوله تعالى:
{ قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } [الزمر: 53] الآية وهذا جواب لندائه عليه السلام ووعد بإجابة دعائه كما يفهمه التعبير بالبشارة دون الإعطاء أو نحوه وما في الوعد من التراخي لا ينافي التعقيب في قوله تعالى: { { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } [الأنبياء: 90] الآية لأنه تعقيب عرفي كما في تزوج فولد له ولأن المراد بالاستجابة الوعد أيضاً لأن وعد الكريم نقد، والمشهور أن هذا القول كان إثر الدعاء ولم يكن بين البشارة والولادة إلا أشهر، وقيل: إنه رزق الولد بعد أربعين سنة من دعائه، وقيل: بعد ستين. والغلام الولد الذكر، وقد يقال للأنثى: غلامة كما قال:تهان لها الغلامة والغلام
وفي تعيين اسمه عليه السلام تأكيد للوعد وتشريف له عليه السلام، وفي تخصيصه به حسبما يعرب عنه قوله تعالى: { لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } أي شريكاً له في الاسم حيث لم يسم أحد قبله بيحيـى على ما روي عن ابن عباس وقتادة والسدي وابن أسلم مزيد تشريف وتفخيم له عليه السلام، وهذا كما قال الزمخشري شاهد على أن الأسماء النادرة التي لا يكاد الناس يستعملونها جديرة بالأثرة وإياها كانت العرب تنتحي في التسمية لكونها أنبه وأنوه وأنزه عن النبز حتى قال القائل في مدح قوم:سنع الأسامي مسبلي أزر حمر تمس الأرض بالهدب
وقيل للصلت بن عطاء: كيف تقدمت عند البرامكة وعندهم من هو آدب منك؟ فقال: كنت غريب الدار غريب الاسم خفيف الجرم شحيحاً بالاشلاء فذكر مما قدمه كونه غريب الاسم؛ وأخرج أحمد في «الزهد» وابن المنذر وغيرهما عن مجاهد أن { سَمِيّاً } بمعنى شبيهاً. وروي عن عطاء وابن جبير مثله أي لم نجعل له شبيهاً حيث أنه لم يعص ولم يهم بمعصية، فقد أخرج أحمد والحكيم والترمذي في «نوادر الأصول» والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أوهم بخطيئة إلا يحيـى بن زكريا عليهما السلام لم يهم بخطيئة ولم يعملها" والأخبار في ذلك متظافرة، وقيل: لم يكن له شبيه لذلك ولأنه ولد بين شيخ فإن وعجوز عاقر. وقيل لأنه كان كما وصف الله تعالى { { مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } [آل عمران: 39] فيكون هذا إجمالاً لذلك وإنما قيل للشبيه سمي لأن المتشابهين يتشاركان في الاسم. ومن هذا الإطلاق قوله تعالى: { { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم: 65] لأنه الذي يقتضيه التفريع. والأظهر أنه اسم أعجمي لأنه لم تكن عادتهم التسمية بالألفاظ العربية فيكون منعه الصرف على القول المشهور في مثله للعلمية والعجمة، وقيل إنه عربـي ولتلك العادة مدخل في غرابته وعلى هذا فهو منقول من الفعل كيعمر ويعيش وقد سموا بيموت وهو يموت بن المزرع بن أخت الجاحظ ووجه تسميته بذلك على القول بعربيته قيل الإشارة بأنه يعمر، وهذا في معنى التفاؤل بطول حياته، وكان في ذلك إشارة إلى أنه عليه السلام يرث حسبما سأل زكريا عليه السلام، وقيل: سمي بذلك لأنه حي به رحم أمه. وقيل لأنه حي بين شيخ فان وعجوز عاقر، وقيل لأنه يحيا بالحكمة والعفة، وقيل لأنه يحيا بإرشاد الخلق وهدايتهم، وقيل لأنه يستشهد والشهداء أحياء، وقيل غير ذلك، ثم لا يخفى أنه على العربية والعجمة يختلف الوزن والتصغير كما بين في محله.