خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ
١٥٧
-البقرة

روح المعاني

{ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ } الصلاة في الأصل على ما عليه أكثر أهل اللغة الدعاء ومن الله تعالى الرحمة، وقيل: الثناء، وقيل: التعظيم، وقيل: المغفرة، وقال: الإمام الغزالي: الاعتناء بالشأن، ومعناها الذي يناسب أن يراد هنا سواء كان حقيقياً أو مجازياً الثناء والمغفرة لأن إرادة الرحمة يستلزم التكرار، ويخالف ما روي «نعم العدلان للصابرين الصلاة والرحمة» وحملها على التعظيم والاعتناء بالشأن يأباهما صيغة الجمع ثم إن جوزنا إرادة المعنيين بتجويز عموم المشترك أو الجمع بين الحقيقة والمجاز أو بين المعنيين المجازيين يمكن إرادة المعنيين المذكورين كليهما وإلا فالمراد أحدهما/ والرحمة تقدم معناها وأتى بعلى إشارة إلى أنهم منغمسون في ذلك وقد غشيهم وتجللهم فهو أبلغ من اللام، وجمع (صلوات) للإشارة إلى أنها مشتملة على أنواع كثيرة على حسب اختلاف الصفات التي بها الثناء والمعاصي التي تتعلق بها المغفرة، وقيل: للإيذان بأن المراد صلاة بعد صلاة على حد التثنية في «لبيك وسعديك» وفيه أن مجيء الجمع لمجرد التكرار لم يوجد له نظير، والتنوين فيها وكذا فيما عطف عليها للتفخيم والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم لإظهار مزيد العناية بهم، ـ ومن ـ ابتدائية، وقيل: تبعيضية، وثَمّ مضاف محذوف أي: من (صلوات) ربهم، وأتى بالجملة اسمية للإشارة إلى أن نزول ذلك عليهم في الدنيا والآخرة. فقد أخرج ابن أبـي حاتم، والطبراني، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: "من استرجع عند المصيبة جبر الله تعالى مصيبته، وأحسن عقباه، وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه" .

{ وَأُوْلـٰئِكَ } إشارة كسابقه إلى الصابرين المنعوتين بما ذكر من النعوت، والتكرير لإظهار كمال العناية بهم، ويجوز أن يكون إشارة إليهم باعتبار حيازتهم ما ذكر من ـ الصلوات والرحمة ـ المترتبة على ما تقدم، فعلى الأول المراد بالاعتداء في قوله عز شأنه { هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } هو الاهتداء للحق والصواب مطلقاً، والجملة مقررة لما قبل كأنه قيل: وأولئك هم المختصون بالاهتداء لكل حق وصواب، ولذلك استرجعوا واستسلموا لقضاء الله تعالى، وعلى الثاني هو الاهتداء والفوز بالمطالب، والمعنى: أولئك هم الفائزون بمطالبهم الدينية والدنيوية فإن من مال كما تزكية الله تعالى ورحمته لم يفته مطلب.

ومن باب الإشارة والتأويل: { { يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [البقرة: 135] الإيمان العياني { { ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ } [البقرة: 135] معي عند سطوات تجليات عظمتي وكبريائي { { وٱلصَّلَوٰةِ } أي الشهود الحقيقي { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } [البقرة: 153] المطيقين لتجليات أنواري { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ } يجعل فانياً مقتولاً في سلوك سبيل التوحيد { أَمْوَاتٌ } أي عجزة مساكين { بَلْ } هم { أَحْيَاءٌ } عند ربهم بالحياة الحقيقية الدائمة السرمدية شهداء لله تعالى قادرون به { وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } [البقرة: 154] لعمى بصيرتكم وحرمانكم من النور الذي تبصر به القلوب أعيان عالم القدس وحقائق الأرواح { وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفِ } أي خوفي الموجب لانكسار النفس وانهزامها { وَٱلْجُوعِ } الموجب لهتك البدن وضعف القوى ورفع حجاب الهوى وتضييق مجاري الشيطان إلى القلب { وَنَقْصٍ مّنَ ٱلأمَوَالِ } التي هي مواد الشهوات المقوية للنفس الزائدة في طغيانها { وَٱلاْنفُسِ } المستولية على القلب بصفاتها أو أنفس الأحباب الذين تأوون إليهم لتنقطعوا إليَّ { وَٱلثَّمَرٰتِ } أي الملاذ النفسانية لتلتذوا بالمكاشفات والمعارف القلبية والمشاهدات الروحية عند صفاء بواطنكم وخلوص نضار قلوبكم بنار الرياضة { وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ } [البقرة: 155] معي بـي أو عن مألوفاتهم بلذة محبتي { ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ } من تصرفاتي فيهم شاهدوا آثار قدرتي بل أنوار تجليات صفتي واستسلموا وأيقنوا أنهم ملكي أتصرف فيه بتجلياتي وتفانوا فيّ وشاهدوا هلكهم بـي ـ فقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون { أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ } بالوجود الموهوب لهم بعد الفناء المنهلة عليه صفاتي الساطعة عليه أنواري { وَرَحْمَةٌ } أي هداية يهدون بها خلقي، ومن أراد التوجه نحوي { وَأُولَٰـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } [البقرة: 157] بـي الواصلون إلى بعد تخلصهم من وجودهم الذي هو الذنب الأعظم عندي.