خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ
١٧٠
-البقرة

روح المعاني

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } الضمير للناس والعدول عن الخطاب إلى الغيبة للتنبيه على أنهم لفرط جهلم وحمقهم ليسوا أهلاً للخطاب بل ينبغي أن يصرف عنهم إلى من يعقله، وفيه من النداء لكل أحد من العقلاء على ضلالتهم ما ليس إذا خوطبوا بذلك، وقيل: الضمير لليهود وإن لم يذكروا بناءاً على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن الآية نزلت فيهم لما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، وقيل: إنه راجع إلى { { مَن يَتَّخِذُ } [البقرة: 165] أو إلى المفهوم من { { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ } [البقرة: 159]، والجملة مستأنفة بناءاً على ما روي أنها نزلت في المشركين، وأنت تعلم أن النزول في حق اليهود أو المشركين لا يقتضي تخصيص الضمير بهم، وقد شاع أن عموم المرجع لا يقتضي عموم الضمير كما في قوله تعالى: { وَٱلْمُطَلَّقَـٰتُ يَتَرَبَّصْنَ } [البقرة: 228] وقوله تعالى: { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ } [البقرة: 228] على أن نظم القرآن الكريم يأبـى هذا القيل؛ والموصول إما عام لسائر الأحكام الحقة المنزلة من الله تعالى، وإما خاص بما يقتضيه المقام.

{ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا } أي وجدناهم عليه، والظرف إما حال من ـ آبائنا، وألفينا ـ متعد إلى واحد، وإما مفعول ثان له مقدم على الأول. { أَوَ لَّوْ كَانَ ءابَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ } جواب الشرط محذوف أي ـ لو كان آبائهم جهلة لا يتفكرون في أمر الدين ولا يهتدون إلى الحق لاتعبوهم ـ والواو للحال أو للعطف، والجملة الشرطية إما حال عن ضمير { قَالُواْ } أو معطوفة عليه، والهمزة لإنكار مضمون تلك الجملة وهو التزامهم الاتباع على تقدير ينافيه وهو كونهم غير عاقلين ولا مهتدين المستلزم لالتزامهم الاتباع على أي حال كانوا من غير تمييز، وعلم بكونهم محقين أو مبطلين وهو التقليد المذموم ـ ويتولد من ذلك الإنكار التعجيب ـ وجوز أن تكون الجملة حالاً عن ضمير جملة محذوفة أي أيتبعونهم في حال فرضهم غير عاقلين ولا مهتدين ـ وأن تكون معطوفة على شرط مقدر أي ـ يتبعونهم لو لم يكونوا غير عاقلين، ولو كانوا غير عاقلين، وإلى الأول: ذهب الزمخشري، وإلى الثاني: الجرمي، ولا يخفى أنه على تقدير حذف الجملة المتقدمة لا يحتاج إلى القول بحذف الجزاء، ولعل ما ذكر أولاً أولى لما فيه من التحرز عن كثرة الحذف وإبقاء { لَوْ } على معناها المشهور، والهمزة الاستفهامية على أصلها ـ وهو إيلاء المسؤول عنه ـ وكون المعنى يدور على العطف على المحذوف في أمثال ذلك في سائر اللغات غير مسلم، واختار الرضي أن ـ الواو ـ الداخلة على كلمة الشرط في مثل هذا اعتراضية، وعني بالجملة الاعتراضية ما يتوسط بين أجزاء الكلام، أو يجيء آخره متعلقاً به معنى مستأنفاً لفظاً.

قيل: وفي الآية دليل/ على المنع من التقليد لمن قدر على النظر، وأما اتباع الغير في الدين بعد العلم بدليل ما أنه محق فاتباع في الحقيقة لما أنزل الله تعالى ـ وليس من التقليد المذموم في شيء ـ وقد قال سبحانه: { { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } [الأنبياء: 7].