خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ
٢٠٤
-البقرة

روح المعاني

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ } عطف على قوله تعالى: { فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ } [البقرة: 200] والجامع أنه سبحانه لما ساق بيان أحكام الحج إلى بيان انقسام الناس في الذكر والدعاء في تلك المناسك إلى الكافر والمؤمن، تممه سبحانه ببيان قسمين آخرين ـ المنافق والمخلص ـ وأصل ـ التعجب ـ حيرة تعرض للإنسان لجهله بسبب المتعجب منه، وهو هنا مجاز عما يلزمه من الروق والعظمة فإن الأمر الغريب المجهول يستطيبه الطبع ويعظم وقعه في القلوب، وليس على حقيقته لعدم الجهل بالسبب أعني الفصاحة والحلاوة، فالمعنى ومنهم من يروقك ويعظم في نفسك ما يقول { فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } أي في أمور الدنيا وأسباب المعاش ـ سواء كانت عائدة إليه أم لا ـ فالمراد من الحياة ما به الحياة والتعيش،/ أو في معنى الدنيا فإنها مرادة من ادعاء المحبة وإظهار الإيمان ـ فالحياة الدنيا ـ على معناها، وجعله ظرفاً للقول من قبيل قولهم في عنوان المباحث الفصل الأول في كذا والكلام في كذا أي المقصود منه ذلك ولا حذف في شيء من التقديرين على ما وهم وتكون الظرفية حينئذٍ تقديرية كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "في النفس المؤمنة مائة من الإبل" أي في قتلها فالسبب الذي هو القتل متضمن للدية تضمن الظرف للمظروف وهذه هي التي يقال لها إنها سببية كذا في الرضي قاله بعض المحققين، وجوز تعلق المجرور بالفعل قبله أي يعجبك في الدنيا قوله لفصاحته وطراوة ألفاظه ولا يعجبك في الآخرة لما يعتريه من الدهشة واللكنة أو لأنه لا يؤذن له في الكلام فلا يتكلم حتى يعجبك، والآية كما قال السدي: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بن زهرة «أقبل إلى النبـي صلى الله عليه وسلم في المدينة فأظهر له الإسلام وأعجب النبـي صلى الله عليه وسلم ذلك منه وقال: إنما جئت أريد الإسلام والله تعالى يعلم إني لصادق ثم خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بزرع [لقوم] من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر» وقيل: في المنافقين كافة.

{ وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ } أي بحسب ادعائه حيث يقول الله يعلم أن ما في قلبـي موافق لما في لساني وهو معطوف على { يُعْجِبُكَ } وفي مصحف أبـيّ (ويستشهد الله)، وقرىء (ويشهد الله) بالرفع، فالمراد بما في قلبه ما فيه حقيقة، ويؤيده قراءة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، (والله يشهد على ما في قلبه) على أن كلمة على لكون المشهود به مضراً له، والجملة حينئذٍ اعتراضية.

{ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ } أي شديد المخاصمة في الباطل كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما واستشهد عليه بقول مهلهل:

إن تحت الحجار حزماً وجورا وخصيماً ألد ذا مقلاق

فألد صفة كأحمر بدليل جمعه على لد ومجىء مؤنثه لداء لا أفعل تفضيل والإضافة من إضافة الصفة إلى فاعلها كحسن الوجه على الإسناد المجازي وجعلها بعضهم بمعنى في على الظرفية التقديرية أي شديد في المخاصمة؛ ونقل أبو حيان عن الخليل أن ألد أفعل تفضيل فلا بد من تقدير، وخصامه ألد الخصام أو ألد ذوي الخصام، أو يجعل وهو راجع إلى الخصام المفهوم من الكلام على بعد، أو يقال الخصام جمع خصم كبحر وبحار وصعب وصعاب، فالمعنى أشد الخصوم خصومة، والإضافة فيه للاختصاص كما في أحسن الناس وجهاً، وفي الآية إشارة إلى أن شدة المخاصمة مذمومة، وقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبـي صلى الله عليه وسلم: "أبغض الرجال إلى الله تعالى الألد الخصم" وأخرج أحمد عن أبـي الدرداء "كفى بك إثماً أن لا تزال ممارياً وكفى بك ظالماً أن لا تزال مخاصماً وكفى بك كاذباً أن لا تزال محدثاً إلا حديث في ذات الله عز وجل" وشدة الخصومة من صفات المنافقين لأنهم يحبون الدنيا فيكثرون الخصام عليها.