خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
٢٥٢
-البقرة

روح المعاني

{ تِلْكَ آيَـٰتُ ٱللَّهِ } إشارة إلى ما سلف من حديث الألوف وموتهم وإحيائهم وتمليك طالوت؛ وإظهاره بالآية وإهلاك الجبابرة على يد صبـي وما فيه من البعد للإيذان بعلو شأن المشار إليه، وقيل: إشارة إلى ما مر من أول السورة إلى هنا وفيه بعد، والجملة على التقديرين مستأنفة، وقوله تعالى: { نَتْلُوهَا عَلَيْكَ } أي بواسطة جبريل عليه السلام إما حال من الآيات والعامل معنى الإشارة، وإما جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب { بِٱلْحَقّ } في موضع النصب على أنه حال من مفعول (نتلوها) أي متلبسة باليقين الذي لا يرتاب فيه أحد من أهل الكتاب وأرباب التواريخ لما يجدونها موافقة لما عندهم أو لا ينبغي أن يرتاب فيه أو من فاعله أي نتلوها عليك متلبسين بالحق والصواب وهو معنا أو من الضمير المجرور أي متلبساً بالحق وهو معك.

/{ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } حيث تخبر بتلك الآيات وقصص القرون الماضية وأخبارها على ما هي عليه من غير مطالعة كتاب ولا اجتماع بأحد يخبر بذلك. ووجه مناسبة هذه القصة لما قبلها ظاهرة وذلك لأنه تعالى لما أمر المؤمنين بالقتال في سبيله وكان قد قدم قبل ذلك قصة الذين خرجوا من ديارهم حذر الموت إما بالطاعون أو القتال على سبيل التشجيع والتثبيت للمؤمنين والإعلام أنه لا ينجي حذر من قدر أردف ذلك بأن القتال كان مطلوباً مشروعاً في الأمم السابقة فليس من الأحكام التي خصصتم بها لأن ما وقع فيه الاشتراك كانت النفس أميل لقبوله من التكليف الذي يقع به الانفراد.

هذا ومن باب الإشارة في هذه الآيات: { { أَلَمْ تَرَ إِلَى } [البقرة: 246] ملأ القوى { { مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [البقرة: 246] البدن { مِن بَعْدِ مُوسَىۤ } [البقرة: 246] القلب { إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ } [البقرة: 246] عقولهم { ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [البقرة: 246] وطريق الوصول إليه بواسطة أمره وإرشاده { قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ } [البقرة: 246] أي إني أتوقع منكم عدم المقاتلة لانغماسكم في أوحال الطبيعة { { قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَـٰتِلَ } [البقرة: 246] في طريق السير إلى الله تعالى، { { وَقَدْ أُخْرِجْنَا } [البقرة: 246] من ديار استعداداتنا الأصلية التي لم نزل بالحنين إليها؛ واغتربنا عن أبناء كمالاتنا اللاتي لم نبرح عن مزيد البكاء عليها { { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ } [البقرة: 246] لعدوهم الذي تسبب لهم الاغتراب وأحل بهم العجب العجاب { تَوَلَّوْاْ } [البقرة: 246] وأعرضوا عن مقاتلته وانتظموا في سلك شيعته { { إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ } [البقرة: 246] وهم القوى المستعدة { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّـٰلِمينَ } [البقرة: 246] الذين نقصوا حظوظهم { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ } [البقرة: 247] الروح الإنساني { مَلِكاً } [البقرة: 247] متوجاً بتاج الأنوار الإلهية جالساً على كسرى التدبيرات الصمدانية { قَالُوۤاْ } [البقرة: 247]: لاحتجابهم بحجاب الأنانية وغفلتهم عن العلوم الحقانية كيف يكون له الملك علينا مع انحطاط مرتبته بتنزله إلى عالم الكثافة من عالمه الأصلي وليس فيه مشابهة لنا { وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ } [البقرة: 247] لاشتراكنا في عالمنا ومشابهة بعضنا بعضاً وشبيه الشيء ميال إليه قريب اتباعه له:

ولكل شيء آفة من جنسه

{ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً } [البقرة: 247] من مال التصرف إذ لا يتصرف إلا بالواسطة { قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ } [البقرة: 247] تعالى اختاره عليكم لبساطته وتركبكم وزاده سعة في العلم الإلهي وقوة في الذات النوراني، { وَٱللَّهُ يُؤْتِى مُلْكَهُ مَن يَشَاء } [البقرة: 247] فيدبره بإذنه، { { وَٱللَّهُ وٰسِعٌ } [البقرة: 247] لسعة الإطلاق، { عَلِيمٌ } [البقرة: 247] بالحكم التي تقتضي الظهور والتجلي بمظاهر الأسماء، { وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ ءايَةَ مُلْكِهِ } [البقرة: 248] عليكم وخلافته من قبل الرب فيكم { أَن يَأْتِيَكُمُ } [البقرة: 248] تابوت الصدر { فِيهِ سَكِينَةٌ } [البقرة: 248] أي طمأنينة { مِنْ رَبُّكُـمْ } [البقرة: 248] وهي الطمأنينة بالإيمان والأنس بالله تعالى، { وَبَقِيَّةٌ مّمَّا تَرَكَ ءالُ مُوسَىٰ } [البقرة: 248] القلب { وَآلُ هَارُونَ } [البقرة: 248] السر، وهي من التوحيد وعصا لا إله إلا الله التي تلقف عظيم سحر صفات النفس وطست تجلي الأنوار الذي يغسل به قلوب الأنبياء وشيء من توراة الإلهامات { تَحْمِلُهُ } [البقرة: 248 ] ملائكة الاستعدادات لدى طالوت الروح فعند ذلك تسلم له الخلافة وينقاد له جميع أسباط صفات الإنسان، { { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ } [البقرة: 249] وجنوده من وزير العقل ومشير القلب ومدبر الأفهام ونظام الحواس { قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ } [البقرة: 249] الطبيعة الجسمانية المترع بمياه الشهوات { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ } [البقرة: 249] وكرع مفرطاً في الري فليس من أشياعي الذين هم من عالم الروحانيات وأهل مكاشفات الصفات { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ } [البقرة: 249] ويذقه فإنه من سكان حظائر القدس وحضار جلوة عرائس منصة الأنس { إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ } [البقرة: 249] وقنع من ذلك بقدر الضرورة ولاحتياج من غير حرص وانهماك { فشربوا منه } [البقرة: 249] وكرعوا وانهمكوا فيه { إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ } [البقرة: 249] وهم المتنزهون عن الأقذار الطبيعية المتقدسون عن ملابسها المتجردون عن غواشيها وقليل ما هم فلما جاوز طالوت الروح نهر الطبيعة وعبره { { هُوَ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } [البقرة: 249] من القلب والعقل والملك وغيرهم من اتباع الروح { { مَعَهُ } [البقرة: 249]، قال بعضهم وهم الضعفاء الذين/ لم يصلوا إلى مقام التمكين { لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ } [البقرة: 249] بمحاربة جالوت النفس وأعوانه لعراقتهم بالخدع والدسائس { { قَالَ ٱلَّذِينَ } [البقرة: 249] يتيقنون { { أَنَّهُم مُلاَقُواْ ٱللَّهِ } [البقرة: 249]بالرجوع إليه: { كَم مّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً } [البقرة: 249] وقهرتها حتى أذهبت كثرتها { { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } [البقرة: 249] وتيسيره، { وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } [البقرة: 249] بالتجلي الخاص لهم، فلما برزوا لحرب جالوت وجنوده تبرءوا من الحول والقوة وقالوا: { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } [البقرة: 250] واستقامة، { وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا } [البقرة: 250] في ميادين الجهاد حتى لا نرجع القهقرى من بعد؛ { وَٱنصُرْنَا } [البقرة: 250] على أعدائنا الذين ستروا الحق، وهم النفس الأمارة وصفاتها { { فَهَزَمُوهُم } [البقرة: 251] وكسروهم { بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ } [البقرة: 251] القلب { جَالُوتَ } [البقرة: 251] النفس، ووصلوا كلهم إلى مقام التمكين فلا يخشون الرجعة والردة، وكان قد رماه بحجر التسليم في مقلاع الرضا بيد ترك الالتفات إلى السوي فأصاب ذلك دماغ هواه فخر صريعاً فآتى الله تعالى داود ملك الخلافة وحكمة الإلهامات { وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء } [البقرة: 251] من صنعة لبوس الحروب، ومنطق طيور الواردات وتسبيح جبال الأبدان، { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم } [البقرة: 251] كأرباب الطلب { بِبَعْضِ } [البقرة: 251] كالمشايخ الواصلين { لَفَسَدَتِ } [البقرة: 251] أرض استعداداتهم المخلوقة في أحسن تقويم عند استيلاء جالوت النفس، { { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } ، [البقرة: 251] ومن فضله تحريك سلسلة طلب الطالبين وإلهام أسرارهم إرادة المشايخ الكاملين وتوفيقهم للتمسك بذيل تربيتهم والتشبث بأهداب سيرتهم فسبحانه من جواد لا يبخل ومتفضل على من سأل ومن لم يسأل.