خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

طه
١
-طه

روح المعاني

فخمها على الأصل ابن كثير وابن عامر وحفص ويعقوب وهو إحدى / الروايتين عن قالون وورش والرواية الأخرى أنهما فخما الطاء وأمالا الهاء وهو المروي عن أبـي عمرو وأمال الحرفين حمزة والكسائي وأبو بكر؛ ولعل إمالة الطاء مع أنها من حروف الاستعلاء والاستعلاء يمنع الإمالة لأنها تسفل لقصد التجانس وهي من الفواتح التي تصدر بها السور الكريمة على إحدى الروايتين عن مجاهد بل قيل: هي كذلك عند جمهور المتقنين، وقال السدي: المعنى يا فلان، وعن ابن عباس في رواية جماعة عنه والحسن وابن جبير وعطاء وعكرمة وهي الرواية الأخرى عن مجاهد أن المعنى يا رجل، واختلفوا فقيل: هو كذلك بالنبطية وقيل: بالحبشية، وقيل: بالعبرانية، وقيل بالسريانية. وقيل: بلغة عكل، وقيل: بلغة عك. وروي ذلك عن الكلبـي قال: لو قلت في عك: يا رجل لم يجب حتى تقول: ـ طاها ـ وأنشد الطبري في ذلك قول متمم بن نويرة:

دعوت بطاها في القتال فلم يجب فخفت عليه أن يكون موائلاً

وقول الآخر:

إن السفاهة طاها من خلائقكم لا بارك الله في القوم الملاعين

وقال ابن الأنباري: إن لغة قريش وافقت تلك اللغة في هذا لأن الله تعالى لم يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم بلسان غير لسان قريش، ولا يخفى أن مسئلة وقوع شيء بغير لغة قريش من لغات العرب في القرآن خلافية، وقد بسط الكلام عليها في «الإتقان»، والحق الوقوع وتخرص الزمخشري على عك فقال: ((لعل عكاً تصرفوا في يا هذا كأنهم في لغتهم قالبون الياء طاء فقالوا: في ياطا واختصروا هذا واقتصروا على ها)). وتعقبه أبو حيان بأنه ((لا يوجد في لسان العرب قلب يا التي للنداء طاء وكذلك حذف اسم الإشارة في النداء وإقرارها التي للتنبيه ولم يقل ذلك نحوي.)) وذكر في البيت الأخير أنه إن صح فطه فيه قسم بالحروف المقطعة أو اسم السورة على أنه شعر إسلامي كقوله: حـم لا ينصرون. وتعقب بأنه احتمال بعيد وهو كذلك في المثال وقد رواه النسائي مرفوعاً. ولفظ الخبر "إذا لقيكم العدو فليكن شعاركم حم لا ينصرون" وليس في سياقه دليل على ذلك، ويحتمل أن يكون لا ينصرون مستأنفاً والشعار التلفظ بحم فقط كأنه قيل: ماذا يكون إذا كان شعارنا ذلك فقيل: لا ينصرون، وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس أنه قسم أقسم الله تعالى به وهو من أسمائه سبحانه، وعن أبـي جعفر أنه من أسماء النبـي صلى الله عليه وسلم.

وقرأت فرقة منهم أبو حنيفة والحسن وعكرمة وورش { طه } بفتح الطاء وسكون الهاء كبل فقيل: معناه يا رجل أيضاً، وقيل: أمر للنبـي صلى الله عليه وسلم بأن يطأ الأرض بقدميه فإنه عليه الصلاة والسلام كما روي عن الربيع بن أنس كان إذا صلى قام على رجل واحدة فأنزل الله تعالى { طه } الخ، وأخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه لما نزل على النبـي صلى الله عليه وسلم: { { يا أَيُّهَا ٱلْمُزَّمّلُ * قُمِ ٱلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً } [المزمل: 1-2] قام الليل كله حتى تورمت قدماه فجعل يرفع رجلا ويضع رجلاً فهبط عليه جبريل عليه السلام فقال: { طه } الآية والأصل طأ فقلبت الهمزة هاء كما قالوا في إياك وارقت ولانك هياك وهرقت ولهنك أو قلبت الهمزة في فعله الماضي والمضارع ألفاً كما في قول الفرزدق:

راحت بمسلمة البغال عشية فارعى فزارة لا هناك المرتع

وكما قالوا في سأل { سَالَ } [المعارج: 1] وحذفت في الأمر لكونه معتل الآخر وضم إليه هاء السكت وهو في مثل ذلك لازم خطاً ووقفاً، وقد يجري الوصل مجرى الوقف فتثبت لفظاً فيه، وجوز بعضهم أن يكون أصل { طه } / في القراءة المشهورة طاها على أن طا أمر له صلى الله عليه وسلم بأن يطأ الأرض بقدميه وها ضمير مؤنث في موضع المفعول به عائد على الأرض وإن لم يسبق لها ذكر، واعترض بأنه لو كان كذلك لم تسقط منه الألفان ورسم المصحف وإن كان لا ينقاس لكن الأصل فيه موافقته للقياس فلا يعدل عنه لغير داع وليست هذه الألف في اسم ولا وسطاً كما في الحرث ونحوه لتحذف لا سيما وفي حذفها لبس فلا يجوز كما فصل في باب الخط من «التسهيل». واعترض بهذا أيضاً على تفسيره بيا رجل ونحوه، وقيل: توجيه ذلك على هذا الأصل ويعلم منه توجيه آخر لقراءة أبـي حنيفة رضي الله تعالى عنه ومن معه أن يقال: اكتفى من طأ بطاء متحركة ومن ها الضمير بهاء ثم عبر عنهما باسميهما فها ليست ضميراً بل هي كالقاف في قوله:

قلت لها قفي فقالت قاف

واعترض أيضاً بأنه كان ينبغي على هذا أن لا تكتب صورة المسمى بل صورة الاسم. وأجيب بأن كتابة الأسماء بصور المسميات أمر مخصوص بحروف التهجي. وتعقب بأن ما ذكر لا يقطع مادة الإيراد إذ لو كان كذلك لانفصل الحرفان في الخط بأن يكتبان هكذا ط هـ. فإن قيل: إن خط المصحف لا ينقاس قيل عليه ما قيل، والحق أن دعوى أن خط المصحف لا ينقاس قوية جداً وما قيل عليها لا يعول عليه، وما صح عن السلف يقبل ولا يقدح فيه عدم موافقة القياس، وإن كانت الموافقة هي الأصل. وقد روي عن علي كرم الله تعالى وجهه والربيع بن أنس أنهما فسرا { طه } بطأ الأرض بقدميك يا محمد ولم أقف على طعن في الرواية والله تعالى أعلم. واختلف في إعرابه حسب الاختلاف في المراد منه فهو على ما نقل عن الجمهور من أن المراد منه طائفة من حروف المعجم مسرودة على نمط التعديد افتتحت بها السورة لا محل له من الإعراب، وكذا ما بعده من قوله تعالى: { مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَىٰ... }.