خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ
٤٧
-طه

روح المعاني

{ فَأْتِيَاهُ } أمر بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعدما أمرا بالذهاب إليه فلا تكرار وهو عطف على { لاَ تَخَافَا } [طه: 46] باعتبار تعليله بما بعده { فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ } أمرا بذلك تحقيقاً للحق من أول الأمر ليعرف الطاغية شأنهما ويبني جوابه عليه، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره من اللطف ما لا يخفى وإن رأى اللعين أن في ذلك تحقيراً له حيث إنه يدعى الربوبية لنفسه ولا يعد ذلك من الإغلاظ في القول، وكذا قوله تعالى: { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرٰءيلَ } إلى آخره خلافاً للإمام، والفاء في { فَأَرْسِلْ } لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن كونهما عليهما السلام رسولي ربه تعالى مما يوجب إرسالهم معهما والمراد بالإرسال إطلاقهم من الأسر وإخراجهم من تحت يده العادية لا تكليفهم أن يذهبوا معهما إلى الشام كما ينبـىء عنه قوله سبحانه: { وَلاَ تُعَذّبْهُمْ } أي بإبقائهم على ما كانوا عليه من العذاب فإنهم كانوا تحت ملكة القبط يستخدمونهم في الأعمال الشاقة كالحفر والبناء ونقل الأحجار وكانوا يقتلون أبناءهم عاماً دون عام ويستخدمون نساءهم ولعلهما إنما بدآ بطلب إرسال بني إسرائيل دون دعوة الطاغية وقومه إلى الإيمان للتدريج في الدعوة فإن إطلاق الأسرى دون تبديل الاعتقاد، وقيل: لأن تخليص المؤمنين من الكفرة أهم من دعوتهم إلى الإيمان، وهذا بعد تسليمه مبني على أن بني إسرائيل كانوا مؤمنين بموسى عليه السلام في الباطن أو كانوا مؤمنين بغيره من الأنبياء عليهم السلام ولا بد لذلك من دليل، وقيل: إنما بدآ بطلب إرسالهم لما فيه من إزالة المانع عن دعوتهم واتباعهم وهي أهم من دعوة القبط. وتعقب بأن السياق هنا لدعوة فرعون ودفع طغيانه فهي الأهم دون دعوة بني إسرائيل، وقيل: إنه أول ما طلبا منه الإيمان كما ينبـىء عن ذلك آية النازعات إلا أنه لم يصرح به هنا اكتفاءً بما هناك كما أنه لم يصرح هناك بهذا الطلب اكتفاءً بما هنا.

وقوله تعالى: { قَدْ جِئْنَـٰكَ بِـئَايَةٍ مّن رَّبّكَ } استئناف بياني وفيه تقرير لما تضمنه الكلام السابق من دعوى الرسالة وتعليل لوجوب الإرسال فإن مجيئهما بآية من جهته تعالى مما يحقق رسالتهما ويقررها ويوجب الامتثال بأمرهما، وإظهار اسم الرب في موضع الإضمار مع الإضافة إلى ضمير المخاطب لتأكيد ما ذكر من التقرير والتعليل، وجىء بقد للتحقيق والتأكيد أيضاً، وتكلف لإفادتها التوقع وتوحيد الآية مع تعددها لأن المراد إثبات الدعوى ببرهانها لا بيان تعدد الحجة فكأنه قيل: قد جئناك بما يثبت مدعانا، وقيل: المراد بالآية اليد، وقيل: العصا والقولان كما ترى.

{ وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } أي السلامة من العذاب في الدارين لمن اتبع ذلك بتصديق آيات الله تعالى الهادية إلى الحق، فالسلام مصدر بمعنى السلامة كالرضاع والرضاعة، وعلى بمعنى اللام كما ورد عكسه في قوله تعالى: { { لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ } [الرعد: 25] وحروف الجر كثيراً ما تتقارض، وقد حسن ذلك هنا المشاكلة حيث جىء بعلى في قوله تعالى: