خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى
٥٩
-طه

روح المعاني

{ قَالَ } أي موسى عليه السلام، قال في «البحر»: وأبعد من قال إن القائل فرعون ولعمري أنه لا ينبغي أن يلتفت إليه، وكأن الذي اضطر قائله الخبر السابق عن وهب بن منبه فليتذكر { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزّينَةِ } هو يوم عيد كان لهم في كل عام يتزينون فيه ويزينون أسواقهم كما روي عن مجاهد وقتادة، وقيل: يوم النيروز وكان رأس سنتهم. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه يوم عاشوراء وبذلك فسر في قوله صلى الله عليه وسلم: "من صام يوم الزينة أدرك ما فاته من صيام تلك السنة ومن تصدق يومئذٍ بصدقة أدرك ما فاته من صدقة تلك السنة" ، وقيل: يوم كسر الخليج، وفي «البحر» أنه باق إلى اليوم، وقيل: يوم سوق لهم، وقيل: يوم السبت وكان يوم راحة ودعة فيما بينهم كما هو اليوم كذلك بين اليهود، وظاهر صنيع أبـي حيان اختيار أنه يوم عيد صادف يوم عاشوراء وكان يوم سبت.

والظاهر أن الموعد هٰهنا اسم زمان للإخبار عنه بيوم الزينة أي زمان وعدكم اليوم المشتهر فيما بينكم، وإنما لم يصرح عليه السلام بالوعد بل صرح بزمانه مع أنه أول ما طلبه اللعين منه عليه السلام للإشارة إلى أنه عليه السلام أرغب منه فيه لما يترتب عليه من قطع الشبهة وإقامة الحجة حتى كأنه وقع منه عليه السلام قبل طلبه إياه فلا ينبغي له طلبه، وفيه إيذان بكمال وثوقه من أمره، ولذا خص عليه السلام من بين الأزمنة يوم الزينة الذي هو يوم مشهود وللاجتماع معدود، ولم يذكر عليه السلام المكان الذي ذكره اللعين لأنه بناءً على المعنى الأول والثالث فيه إنما ذكره اللعين إيهاماً للتفضل عليه عليه السلام يريد بذلك إظهار الجلادة فأعرض عليه السلام عن ذكره مكتفياً بذكر الزمان المخصوص للإشارة إلى استغنائه عن ذلك وأن كل الأمكنة بعد حصول الاجتماع بالنسبة إليه سواء. وأما على المعنى الثاني فيحتمل أنه عليه السلام اكتفى عن ذلك بما يستدعيه يوم الزينة فإن من عادة الناس في الأعياد في كل وقت وكل بلد الخروج إلى الأمكنة المستوية والاجتماع في الأرض السهلة التي لا يمنع فيها شيء عن رؤية بعضهم بعضاً، وبالجملة قد أخرج عليه الصلاة والتسليم جوابه على الأسلوب الحكيم، ولله تعالى در الكليم ودره النظيم، وقيل: الموعد هٰهنا مصدر أيضاً ويقدر مضاف لصحة الإخبار أي وعدكم وعد يوم الزينة، ويكتفي عن ذكر المكان بدلالة يوم الزينة عليه، وقيل: الموعد في السؤال اسم مكان وجعله مخلفاً على التوسع كما في قوله: ويوماً شهدنا أو الضمير في { لاَّ نُخْلِفُهُ } [طه: 58] للوعد الذي تضمنه اسم المكان على حد { ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } [المائدة: 8] أو للموعد بمعنى الوعد على طريق الاستخدام، والجملة في الاحتمالين معترضة. ولا يجوز أن تكون صفة إذ لا بد في جملة الصفة من ضمير يعود على الموصوف بعينه، والقول بحذفه ليس بشيء / و{ مكاناً } على ما قال أبو علي مفعول ثان لـِ { { ٱجْعَلْ } [طه: 58]، وقيل: بدل أو عطف بيان، والموعد في الجواب اسم زمان ومطابقة الجواب من حيث المعنى فإن يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس يومئذٍ فيه أو هو اسم مكان أيضاً ومعناه مكان وقوع الموعود به لا مكان لفظ الوعد كما توهم ويقدر مضاف لصحة الإخبار أي مكان يوم الزينة والمطابقة ظاهرة، وقيل: الموعد في الأول مصدر إلا أنه حذف منه المضاف أعني مكان وأقيم هو مقامه ويجعل { مَكَاناً } [طه: 58] تابعاً للمقدر أو مفعولاً ثانياً؛ وفي الثاني إما اسم زمان ومعناه زمان وقوع الموعود به لا لفظ الوعد كما يرشد إليه قوله:

قالوا الفراق فقلت موعده غد

والمطابقة معنوية وإما اسم مكان، ويقدر مضاف في الخبر والمطابقة ظاهرة كما سمعت، وإما مصدر أيضاً ويقدر مضافان أحدهما في جانب المبتدأ والآخر في جانب الخبر أي مكان وعدكم مكان يوم الزينة وأمر المطابقة لا يخفى، وقيل: يقدر في الأول مضافان أي مكان إنجاز وعدكم أو مضاف واحد لكن تصير الإضافة لأدنى ملابسة، والأظهر تأويل المصدر بالمفعول وتقدير مضاف في الثاني أي موعودكم مكان يوم الزينة وهو مبني على توهم باطل أشرنا إليه، وقيل: هو في الأول والثاني اسم زمان و { { لاَّ نُخْلِفُهُ } [طه: 58] من باب الحذف والإيصال والأصل لا نخلف فيه و { مَكَاناً } [طه: 58] ظرف لـِ { { ٱجْعَلْ } [طه: 58] وإلى هذا أشار في «الكشف» فقال: لعل الأقرب مأخذاً أن يجعل المكان مخلفاً على الاتساع والطباق من حيث المعنى أو المعنى اجعل بيننا وبينك في مكان سوى منصف زمان وعد لا نخلف فيه فالمطابقة حاصلة لفظاً ومعنى و { مَكَاناً } ظرف لغو انتهى. واعترض بما لا يخفى رده على من أحاط خبراً بأطراف كلامنا. وأنت تعلم أن الاحتمالات في هذه الآية كثيرة جداً والأولى منها ما هو أوفق بجزالة التنزيل مع قلة الحذف والخلو عن نزع الخف قبل الوصول إلى الماء فتأمل.

وقرأ الحسن والأعمش وعاصم في رواية وأبو حيوة وابن أبـي عبلة وقتادة والجحدري، وهبيرة والزعفراني { يَوْمُ ٱلزّينَةِ } بنصب { يوم } وهو ظاهر في أن المراد بالموعد المصدر لأن المكان والزمان لا يقعان في زمان بخلاف الحدث، أما الأول فلأنه لا فائدة فيه لحصوله في جميع الأزمنة؛ وأما الثاني فلأن الزمان لا يكون ظرفاً للزمان ظرفية حقيقية لأنه يلزم حلول الشيء في نفسه، وأما مثل ضحى اليوم في اليوم فهو من ظرفية الكل لأجزائه وهي ظرفية مجازية وما نحن فيه ليس من هذا القبيل كذا قيل وفيه منع ظاهر. وقيل: إنه يستدل بظاهر ذلك على كون الموعد أولاً مصدراً أيضاً لأن الثاني عين الأول لإعادة النكرة معرفة، وفي «الكشف» لعل الأقرب مأخذاً على هذه القراءة أن يجعل الأول زماناً، والثاني مصدراً أي وعدكم كائن يوم الزينة. والجواب مطابق معنى دون تكلف إذ لا فرق بين زمان الوعد يوم كذا رفعاً وبين الوعد يوم كذا نصباً في الحاصل بل هو من الأسلوب الحكيم لاشتماله على زيادة.

وقوله تعالى: { وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } عطف على { ٱلزّينَةِ }، وقيل: على { يَوْمُ }، والأول أظهر لعدم احتياجه إلى التأويل، وانتصب { ضُحًى } على الظرف وهو ارتفاع النهار ويؤنث ويذكر، والضحاء بفتح الضاد ممدود مذكر، وهو عند ارتفاع النهار الأعلى. وجوز على القراءة بنصب { يوم } أن يكون { مَوْعِدُكُمْ } مبتدأ بتقدير وقت مضاف إليه على أنه من باب أتيتك خفوق النجم، والظرف متعلق به و { ضُحًى } خبره على نية التعريف فيه لأنه ضحى ذلك اليوم بعينه / ولو لم يعرف لم يكن مطابقاً لمطلبهم حيث سألوه عليه السلام موعداً معيناً لا يخلف وعده، وقيل: يجوز أن يكون الموعد زماناً و { ضُحًى } خبره و { يَوْمُ ٱلزّينَةِ } حالاً مقدماً وحينئذٍ يستغنى عن تعريف ضحى وليس بشيء ثم إن هذا التعريف بمعنى التعيين معنى لا على معنى جعل { ضُحًى } أحد المعارف الاصطلاحية كما قد يتوهم. وقال الطيبـي: قال ابن جني: يجوز أن يكون { أَن يُحْشَرُ } عطفاً على الموعد كأنه قيل: إنجاز موعدكم وحشر الناس ضحى في يوم الزينة. وكأنه جعل الموعد عبارة عما يتجدد في ذلك اليوم من الثواب والعقاب وغيرهما سوى الحشر ثم عطف الحشر عليه عطف الخاص على العام اهـ وهو كما ترى.

وقرأ ابن مسعود والجحدري وأبو عمران الجوني وأبو نهيك وعمرو بن قائد { تحشر الناس } بتاء الخطاب ونصب { ٱلناس } والمخاطب بذلك فرعون. وروي عنهم أنهم قرأوا بياء الغيبة ونصب { ٱلنَّاس } والضمير في { يُحْشر } على هذه القراءة إما لفرعون وجىء به غائباً على سنن الكلام مع الملوك، وإما لليوم والإسناد مجازي كما في صام نهاره، وقال صاحب «اللوامح»: الفاعل محذوف للعلم به أي وأن يحشر الحاشر الناس. وأنت تعلم أن حذف الفاعل في مثل هذا لا يجوز عند البصريين، نعم قيل في مثله: إن الفاعل ضمير يرجع إلى اسم الفاعل المفهوم من الفعل.