خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ
٦٦
-طه

روح المعاني

{ قَالَ } استئناف كما مر كأنه قيل: فماذا قال عليه السلام؟ فقيل قال: { بَلْ أَلْقُواْ } أنتم أولاً إظهاراً لعدم المبالاة بسحرهم وإسعافاً لما أوهموا من الميل إلى البدء في شقهم حيث غيروا النظم إلى وجه أبلغ إذ كان الظاهر أن يقولوا: وإما أن نلقى وليبرزوا ما معهم ويستفرغوا جهدهم ويستنفدوا قصارى وسعهم ثم يظهر الله تعالى شأنه سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه. قيل وفي ذلك أيضاً مقابلة أدب بأدب، واستشكل بعضهم هذا الأمر ظناً منه أنه يستلزم تجويز السحر فحمله دفعاً لذلك على الوعيد على السحر كما يقال للعبد العاصي: افعل ما أردت، وقال أبو حيان: هو مقرون بشرط مقدر أي ألقوا إن كنتم محقين. وفيه أنه عليه السلام يعلم عدم إحقاقهم فلا يجدي التقدير بدون ملاحظة غيره. وأنت تعلم أنه لا حاجة إلى ذلك ولا إشكال فإن هذا كالأمر بذكر الشبهة لتنكشف. والقول بأن تقديم سماع الشبهة على الحجة غير جائز لجواز أن لا يتفرغ لإدراك الحجة بعد ذلك فتبقى مما لا يلتفت إليه.

{ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } الفاء فصيحة معربة عن مسارعتهم إلى الإلقاء كما في قوله تعالى: { { فَقُلْنَا ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَلَقَ } [البقرة: 60] أي فألقوا فإذا حبالهم الخ. وهي في الحقيقة عاطفة لجملة المفاجأة على الجملة المحذوفة. وإذا فجائية وهي عند الكوفيين حرف وهو مذهب مرجوح عند أبـي حيان وظرف زمان عند الرياشي وهو كذلك عنده أيضاً وظرف مكان عند المبرد وهو ظاهر كلام سيبويه ومختار / أبـي حيان والعامل فيها هنا { أَلْقُوْاْ } عند أبـي البقاء. ورد بأن الفاء تمنع من العمل، وفي «البحر» إنما هي معمولة لخبر المبتدأ الذي هو { حِبَـٰلَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ } إن لم يجعلها هي في موضع الخبر بل جعلنا الخبر جملة { يُخَيَّلُ } وإذا جعلناها في موضع الخبر وجعلنا الجملة في موضع الحال فالأمر واضح. وهذا نظير خرجت فإذا الأسد رابض ورابضاً. ولصحة وقوعها خبراً يكتفى بها وبالمرفوع بعدها كلاماً فيقال: خرجت فإذا الأسد. ونص الأخفش في «الأوسط» على أنها قد يليها جملة فعلية مصحوبة بقد فيقال: خرجت فإذا قد ضرب زيد عمراً، وفي «الكشاف» التحقيق فيها أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصباً لها وجملة تضاف إليها خصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلاً مخصوصاً وهو فعل المفاجأة، والجملة ابتدائية لا غير فتقدير الآية ففاجأ موسى وقت تخيل سعي حبالهم وعصيهم وهذا تمثيل، والمعنى على مفاجأة حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي انتهى، وفيه من المخالفة لما قدمنا ما فيه لكن أمر العطف عليه أوفق كما لا يخفى، وعنى بقوله: هذا تمثيل أنه تصوير للإعراب وأن إذا وقتية أوقع عليها فعل المفاجأة توسعاً لأنها سدت مسد الفعل والمفعول ولأن مفاجأة الوقت يتضمن مفاجأة ما فيه بوجه أبلغ، وما قيل: إنه أراد الاستعارة التمثيلية فيحتاج إلى تكلف لتحصيلها.

وضمير { إِلَيْهِ } الظاهر أنه لموسى عليه السلام بل هو كالمتعين، وقيل: لفرعون وليس بشيء، وأن وما في حيزها نائب فاعل { يُخَيَّلُ } أي يخيل إليه بسبب سحرهم سعيها وكأن ذلك من باب السيمياء وهي علم يقتدر به على إراء الصورة الذهنية لكن يشترط غالباً أن يكون لها مادة في الخارج في الجملة ويكون ذلك على ما ذكره الشيخ محمد عمر البغدادي في «حاشيته على رسالة الشيخ عبد الغني النابلسي في وحدة الوجود» بواسطة أسماء وغيرها. وذكر العلامة البيضاوي في بعض «رسائله» أن علم السيمياء حاصله إحداث مثالات خيالية لا وجود لها في الحس ويطلق على إيجاد تلك المثالات بصورها في الحس وتكون صوراً في جوهر الهواء وهي سريعة الزوال بسبب سرعة تغير جوهره ولفظ سيمياء معرب شيم يه ومعناه اسم الله تعالى انتهى. وما ذكره من سرعة الزوال لا يسلم كلياً وهو عندي بعض من علم السحر. وعرفه البيضاوي بأنه علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة بأسباب خفية ثم قال: والسحر منه حقيقي ومنه غير حقيقي ويقال له: الأخذ بالعيون وسحرة فرعون أتوا بمجموع الأمرين انتهى، والمشهور أن هؤلاء السحرة جعلوا في الحبال والعصي زئبقاً فلما أصابتها حرارة الشمس اضطربت واهتزت فخيل إليه عليه السلام أنها تتحرك وتمشي كشيء فيه حياة. ويروى أنه عليه السلام رآها كأنها حيات وقد أخذت ميلاً في ميل؛ وقيل: حفروا الأرض وجعلوا فيها ناراً ووضعوا فوقها تلك الحبال والعصي فلما أصابتها حرارة النار تحركت ومشت، وفي القلب من صحة كلا القولين شيء. والظاهر أن التخيل من موسى عليه السلام قد حصل حقيقة بواسطة سحرهم، وروي ذلك عن وهب. وقيل: لم يحصل. والمراد من الآية أنه عليه السلام شاهد شيئاً لولا علمه بأنه لا حقيقة له لظن فيها أنها تسعى فيكون تمثيلاً وهو خلاف الظاهر جداً.

وقرأ الحسن وعيسى { عصيهم } بضم العين وإسكان الصاد وتخفيف الياء مع الرفع وهو جمع كما في القراءة المشهورة وقرأ الزهري والحسن وعيسى وأبو حيوة وقتادة والجحدري وروح وابن ذكوان وغيرهم { تخيل } بالتاء الفوقانية مبنياً للمفعول وفيه ضمير الحبال والعصي. و { أَنَّهَا تَسْعَىٰ } بدل اشتمال من ذلك الضمير ولا يضر الإبدال منه في كونه رابطاً لكونه ليس ساقطاً من كل الوجوه. وقرأ أبو السمال { تخيل } بفتح التاء أي تتخيل وفيه أيضاً ضمير ما ذكر و { أَنَّهَا تَسْعَىٰ } بدل منه أيضاً، وقال ابن عطية: / هو مفعول من أجله، وقال أبو القاسم بن حبارة الهذلي الأندلسي في كتاب «الكامل»: عن أبـي السمال أنه قرىء { تخيل } بالتاء من فوق المضمومة وكسر الياء والضمير فيه فاعل و { أَنَّهَا تَسْعَىٰ } نصب على المفعول به. ونسب ابن عطية هذه القراءة إلى الحسن وعيسى الثقفي ومن بني { تخيل } للمفعول فالمخيل لهم ذلك هو الله تعالى للمحنة والابتلاء. وروى الحسن بن يمن عن أبـي حيوة { نخيل } بالنون وكسر الياء فالفاعل ضميره تعالى و { أَنَّهَا تَسْعَىٰ } مفعول به.