خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ
١٠٤
-الأنبياء

روح المعاني

{ يَوْمَ نَطْوِى ٱلسَّمَاء } منصوب باذكر، وقيل ظرف لِـ { { لاَ يَحْزُنُهُمُ } [الأنبياء:103]، وقيل للفزع، والمصدر المعرف وإن كان ضعيفاً في العمل لا سيما وقد فصل بينه وبين معموله بأجنبـي إلا أن الظرف محل التوسع قاله في «الكشف». وقال الخفاجي: إن المصدر الموصوف لا يعمل على الصحيح وإن كان الظرف قد يتوسع فيه، وقيل ظرف لِـ { { تَتَلَقَّاهُمُ } [الأنبياء:103]، وقيل هو بدل من العائد المحذوف من { { تُوعَدُونَ } [الأنبياء:103] بدل كل من كل وتوهم أنه بدل اشتمال، وقيل حال مقدرة من ذلك العائد لأن يوم الطي بعد الوعد.

وقرأ شيبة بن نصاح وجماعة { يطوي } بالياء والبناء للفاعل وهو الله عز وجل. وقرأ أبو جعفر وأخرى بالتاء الفوقية والبناء للمفعول ورفع { ٱلسَّمَاء } على النيابة، والطي ضد النشر، وقيل الإفناء والإزالة من قولك: اطو عني هذا الحديث، وأنكر ابن القيم إفناء السماء وإعدامها إعداماً صرفاً وادعى أن النصوص إنما تدل على تبديلها وتغييرها من حال إلى حال، ويبعد القول بالإفناء ظاهر التشبيه في قوله تعالى: { كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ } وهو الصحيفة على ما أخرج ابن جرير وغيره عن مجاهد ونسبه في «مجمع البيان» إلى ابن عباس وقتادة والكلبـي أيضاً، وخصه بعضهم بصحيفة العهد، وقيل: هو في الأصل حجر يكتب فيه ثم سمي به كل ما يكتب فيه من قرطاس وغيره، والجار والمجرور في موضع الصفة لمصدر مقدر أي طياً كطي الصحيفة، وقرأ أبو هريرة وصاحبه أبو زرعة بن عمرو بن جرير { السجل } بضمتين وشد اللام، والأعمش وطلحة وأبو السمال { السجل } بفتح السين، والحسن وعيسى بكسرها والجيم في هاتين القراءتين ساكنة واللام مخففة، وقال أبو عمرو: قرأ أهل مكة كالحسن.

واللام في قوله تعالى: { لِلْكُتُبِ } متعلق بمحذوف هو حال من { ٱلسّجِلّ } أو صفة له على رأي من يجوز حذف الموصول مع بعض صلته أي كطي السجل كائناً للكتب أو الكائن للكتب فإن الكتب عبارة عن الصحائف وما كتب فيها فسجلها بعض أجزائها وبه يتعلق الطي حقيقة، وقرأ الأعمش { لِلْكُتُبِ } بإسكان التاء، وقرأ الأكثر { للكتاب } بالإفراد وهو إما مصدر واللام للتعليل أي كما يطوى الطومار للكتابة أي ليكتب فيه وذلك كناية عن اتخاذه لها ووضعه مسوى مطوياً حتى إذا احتيج إلى الكتابة لم يحتج إلى تسويته فلا يرد أن المعهود نشر الطومار للكتابة لا طيه لها، وإما اسم كالإمام فاللام كما ذكر أولاً.

وأخرج عبد حميد عن علي كرم الله تعالى وجهه أن السجل اسم ملك، وأخرج ذلك ابن أبـي حاتم وابن عساكر عن الباقر رضي الله تعالى عنه، وأخرج ابن جرير وغيره عن السدي نحوه إلا أنه قال: إنه موكل / بالصحف فإذا مات الإنسان وقع كتابه إليه فطواه ورفعه إلى يوم القيامة، واللام على هذا قيل متعلقة بطي، وقيل سيف خطيب، وكونها بمعنى على كما ترى. واعترض هذا القول بأنه لا يحسن التشبيه عليه إذ ليس المشبه به أقوى ولا أشهر. وأجيب بأنه أقوى نظراً لما في أذهان العامة من قوة الطاوي وضعف المطوي وصغر حجمه بالنسبة للسماء أي نظراً لما في أذهانهم من مجموع الأمرين فتأمل.

وأخرج أبو داود والنسائي وجماعة منهم البيهقي في «سننه» وصححه عن ابن عباس أن السجل كاتب للنبـي صلى الله عليه وسلم وأخرج جماعة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما نحوه، وضعف ذلك بل قيل إنه قول واه جداً لأنه لم يعرف أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم اسمه السجل ولا حسن للتشبيه عليه أيضاً، وأخرج النسائي وابن جرير وابن أبـي حاتم وابن عساكر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الرجل زاد ابن مردويه بلغة الحبشة ونقل ذلك عن الزجاج، وقال بعضهم: يمكن حمل الرواية السابقة عن ابن عباس على هذا والأكثر على ما قيل على تفسير السجل بالصحيفة. واختلف في أنه عربـي أو معرف فذهب البصريون إلى أنه عربـي، وقال أبو الفضل الرازي: الأصح أنه فارسي معرب.

هذا ثم إن الآية نص في دثور السماء وهو خلاف ما شاع عن الفلاسفة، نعم ذكر صدر الدين الشيرازي في كتابه «الأسفار» أن مذهب أساطين الفلاسفة المتقدمين القول بالدثور والقول بخلاف ذلك إنما هو لمتأخريهم لقصور أنظارهم وعدم صفاء ضمائرهم، فمن الأساطين انكسيمائس الملطي قال: إنما ثبات هذا العالم بقدر ما فيه من قليل نور ذلك العالم وأراد به عالم المجردات المحضة وإلا لما ثبت طرفة عين ويبقى ثباته إلى أن يصفى جزؤه الممتزج جزأها المختلط فإذا صفي الجزآن عند ذلك دثرت أجزاء هذا العالم وفسدت وبقيت مظلمة وبقيت الأنفس الدنسة في هذه الظلمة لا نور لها ولا سرور ولا راحة ولا سكون ولا سلوة. ومنهم فيثاغورس نقل عنه أنه قيل له: لم قلت بإبطال العالم؟ فقال: لأنه يبلغ العلة التي من أجلها كان فإذا بلغها سكنت حركته، ومنهم أفلاطون حكى الشيخ أبو الحسن العامري أنه ذكر في كتابه المعروف «بطيماوس» أن العالم مكون وأن الباري تعالى قد صرفه من لا نظام إلى نظام وأن جواهره كلها مركبة من المادة والصورة وأن كل مركب معرض للإنحلال، نعم إنه قال في «أسولوطيقوس» أي تدبير البدن إن العالم أبدي غير مكون دائم البقاء وتعلق بهذا ابرقلس فبين كلاميه تناف، وقد وفق بينهما تلميذه أرسطاطاليس بما فيه نظر، ولعل الأوفق أن يقال على مشربهم: أراد بالعالم الأبدي عالم المفارقات المحضة، ومنهم أرسطاطاليس قال في كتاب «أثولوجيا»: إن الأشياء العقلية تلزم الأشياء الحسية والباري سبحانه لا يلزم الأشياء الحسية والعقلية بل هو سبحانه ممسك لجميع الأشياء غير أن الأشياء العقلية هي آنيات حقية لأنها مبتدعة من العلة الأولى بغير وسط وأما الأشياء الحسية فهي انيات داثرة لأنها رسوم الآنيات الحقية ومثالها وإنما قوامها ودوامها بالكون والتناسل كي تدوم وتبقى تشبيهاً بالأشياء العقلية الثابتة الدائمة، وقال في كتاب «الربوبية»: أبدع العقل صورة النفس من غير أن يتحرك تشبيهاً بالواحد الحق وذلك أن العقل أبدعه الواحد الحق وهو ساكن فكذلك النفس أبدعها العقل وهو ساكن أيضاً غير أن الواحد الحق أبدع هوية العقل وأبدع العقل صورة النفس ولما كانت معلولة من معلول لم تقو أن تفعل فعلها بغير حركة بل فعلته بحركة وأبدعت صنماً وإنما سمي صنماً لأنه فعل داثر غير ثابت ولا باق / لأنه كان بحركة والحركة لا تأتي بالشيء الثابت الباقي بل إنما تأتي بالشيء الداثر وإلا لكان فعلها أكرم منها وهو قبيح جداً، وسأله بعض الدهرية إذا كان المبدع لم يزل ولا شيء غيره ثم أحدث العالم فلم أحدثه؟ فقال: لم غير جائزة عليه لأن لم تقتضي علة والعلة محمولة فيما هي علة عليه من معلل فوقه وليس بمركب يتحمل ذاته العلل فلم عنه منفية فإنما فعل ما فعل لأنه جواد فقيل: يجب أن يكون فاعلاً لم يزل لأنه جواد لم يزل فقال: معنى لم يزل لا أول له وفعل فاعل يقتضي أولاً واجتماع أن يكون ما لا أول له وذا أول في القول والذات محض متناقض، فقيل: فهل يبطل هذا العالم؟ قال: نعم فقيل: فإذا أبطله بطل الجود فقال: يبطل ليصوغه الصيغة التي لا تحتمل الفساد لأن هذه الصيغة تحتمل الفساد، ومنهم فرفوريوس واضع «إيساغوجي» قال: المكونات كلها إنما تتكون بتكون الصورة على سبيل التغير وتفسد بخلو الصورة إلى غير ذلك من الفلاسفة وأقوالهم. وذكر جميع ذلك مما يفضي إلى الملل، ومن أراده فليرجع إلى «الأسفار» وغيره من كتب الصدر.

والحق أنه قد وقع في كلام متقدمي الفلاسفة كثيراً مما هو ظاهر في مخالفة مدلول الآية الكريمة ولا يكاد يحتمل التأويل وهو مقتضى أصولهم وما يتراءى منه الموافقة فإنما يتراءى منه الموافقة في الجملة والتزام التوفيق بين ما يقوله المسلمون في أمر العالم بأسره وما يقوله الفلاسفة في ذلك كالتزام التوفيق بين الضب والنون بل كالتزام الجمع بين الحركة والسكون.

أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا ما استقل يماني

فعليك بما نطق به الكتاب المبين أو صح عن الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، وما عليك إذا خالفت الفلاسفة فأغلب ما جاؤوا به جهل وسفه؛ ولعمري لقد ضل بكلامهم كثير من الناس وباض وفرخ في صدورهم الوسواس الخناس وهو جعجعة بلا طحن وقعقعة كقعقعة شن ولولا الضرورة التي لا أبديها والعلة التي عز مداويها لما أضعت في درسه وتدريسه شرخ شبابـي ولما ذكرت شيئاً منه خلال سطور كتابـي، هذا وأنا أسأل الله تعالى التوفيق للتمسك بحبل الحق الوثيق.

ثم إن الظاهر من الأخبار الصحيحة أن العرش لا يطوى كما تطوى السماء فإن كان هو المحدد كما يزعمه الفلاسفة ومن تبع آثارهم فعدم دثوره بخصوصه مما صرح به من الفلاسفة الإسكندر الأفروديسي من كبار أصحاب أرسطاطاليس وإن خالفه في بعض المسائل، ومن حمل كلامه على خلاف ذلك فقد تعسف وأتى بما لا يسلم له، وظاهر الآية الكريمة أيضاً مشعر بعدم طيه للاقتصار فيها على طي السماء، والشائع عدم إطلاقها على العرش، ثم إن الطي لا يختص بسماء دون سماء بل تطوى جميعها لقوله تعالى: { { وَٱلسَّمَـٰوٰتُ مَطْوِيَّـٰتٌ بِيَمِينِهِ } [الزمر: 67].

{ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } الظاهر أن الكاف جارة و(ما) مصدرية والمصدر مجرور بها والجار والمجرور صفة مصدر مقدر و { أَوَّلُ } مفعول بدأنا أي نعيد أول خلق إعادة مثل بدئنا إياه أي في السهولة وعدم التعذر وقيل أي في كونها إيجاداً بعد العدم أو جمعاً من الأجزاء المتفرقة، ولا يخفى أن في كون الإعادة إيجاداً بعد العدم مطلقاً بحثاً، نعم قال اللقاني: مذهب الأكثرين أن الله سبحانه يعدم الذوات بالكلية ثم يعيدها وهو قول أهل السنة والمعتزلة القائلين بصحة الفناء على الأجسام بل بوقوعه. وقال البدر الزركشي والآمدي: إنه الصحيح، والقول بأن الإعادة عن تفريق محض قول الأقل وحكاه / جمع بصيغة التمريض لكن في «المواقف» و«شرحه» هل يعدم الله تعالى الأجزاء البدنية ثم يعيدها أو يفرقها ويعيد فيها التآليف؟ الحق أنه لم يثبت في ذلك شيء فلا جزم فيه نفياً ولا إثباتاً لعدم الدليل على شيء من الطرفين. وفي «الاقتصاد» لحجة الإسلام الغزالي فإن قيل هل تعدم الجواهر والأعراض ثم تعادان جميعاً أو تعدم الأعراض دون الجواهر وتعاد الأعراض؟ قلنا: كل ذلك ممكن، والحق أنه ليس في الشرع دليل قاطع على تعيين أحد هذه الممكنات. وقال بعضهم: الحق وقوع الأمرين جميعاً إعادة ما انعدم بعينه وإعادة ما تفرق بأعراضه، وأنت تعلم أن الأخبار صحت ببقاء عجب الذنب من الإنسان فإعادة الإنسان ليست كبدئه، وكذا روي أن الله تعالى عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء وهو حديث حسن عند ابن العربـي، وقال غيره: صحيح، وجاء نحو ذلك في المؤذنين احتساباً وحديثهم في الطبراني؛ وفي حملة القرآن وحديثهم عند ابن منده، وفيمن لم يعمل خطيئة قط وحديثهم عند المروزي فلا تغفل، وكذا في كون البدء جمعاً من الأجزاء المتفرقة إن صح في المركب من العناصر كالإنسان لا يصح في نفس العناصر مثلاً لأنها لم تخلق أولاً من أجزاء متفرقة بإجماع المسلمين فلعل ما ذكرناه في وجوه الشبه أبعد عن القال والقيل.

واعترض جعل { أَوَّلُ } مفعول { بَدَأْنَا } بأن تعلق البداءة بأول الشيء المشروع فيه ركيك لا يقال بدأت أول كذا وإنما يقال بدأت كذا وذلك لأن بداية الشيء هي المشروع فيه والمشروع يلاقي الأول لا محالة فيكون ذكره تكراراً ونظر فيه بأن المراد بدأنا ما كان أولاً سابقاً في الوجود وليس المراد بالأول أول الأجزاء حتى يتوهم ما ذكر، وقيل { أَوَّلَ خَلْقٍ } مفعول (نعيد) الذي يفسره { نُّعِيدُهُ } والكاف مكفوفة بما أي نعيد أول خلق نعيده وقد تم الكلام بذلك ويكون { كَمَا بَدَأْنَا } جملة منقطعة عن ذلك على معنى تحقق ذلك مثل تحققه، وليس المعنى على إعادة مثل البدء، ومحل الكاف في مثله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف جيء به تأكيداً، والمقام يقتضيه كما يشعر به التذنيب فلا يقال: إنه لا داعي إلى ارتكاب خلاف الظاهر، وتنكير { خُلِقَ } لإرادة التفصيل وهو قائم مقام الجمع في إفادة تناول الجميع فكأنه قيل نعيد المخلوقين الأولين.

وجوز أن تنصب الكاف بفعل مضمر يفسره { نُّعِيدُهُ } و(ما) موصولة و { أَوَّلُ } ظرف لبدأنا لأن الموصول يستدعي عائداً فإذا قدر هنا يكون مفعولاً، ولأول قابلية النصب على الظرفية فينصب عليها، ويجوز أن يكون في موضع الحال من ذلك العائد، وحاصل المعنى نعيد مثل الذي بدأناه في أول خلق أو كائناً أول خلق، والخلق على الأول مصدر وعلى الثاني بمعنى المخلوق، وجوز كون (ما) موصوفة وباقي الكلام بحاله.

وتعقب أبو حيان نصب الكاف بأنه قول باسميتها وليس مذهب الجمهور وإنما ذهب إليه الأخفش، ومذهب البصريين سواه أن كونها اسماً مخصوص بالشعر، وأورد نحوه على القول بأن محلها الرفع في الوجه السابق، وإذا قيل بأن للمكفوفة متعلقاً كما اختاره بعضهم خلافاً للرضي ومن معه فليكن متعلقها خبر مبتدأ محذوف هناك، ورجح كون المراد نعيد مثل الذي بدأناه في أول خلق بما أخرجه ابن جرير عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي عجوز من بني عامر فقال: من هذه العجوز يا عائشة؟ فقلت: إحدى خالاتي فقالت: ادع الله تعالى أن يدخلني الجنة فقال عليه الصلاة والسلام: إن الجنة لا يدخلها / العجز فأخذ العجوز ما أخذها فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى ينشئهن خلقاً غير خلقهن ثم قال: تحشرون حفاة عراة غلفاً فقالت: حاش لله تعالى من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى إن الله تعالى قال: { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } ومثل هذا المعنى حاصل على ما جوزه ابن الحاجب من كون { كَمَا بَدَأْنَا } في موضع الحال من ضمير { نُّعِيدُهُ } أي نعيد أول خلق مماثلاً للذي بدأناه، ولا تغفل عما يقتضيه التشبيه من مغايرة الطرفين، وأياً ما كان فالمراد الإخبار بالبعث وليست (ما) في شيء من الأوجه خاصة بالسماء إذ ليس المعنى عليه ولا اللفظ يساعده. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معنى الآية نهلك كل شيء كما كان أول مرة ويحتاج ذلك إلى تدبر فتدبر.

{ وَعْداً } مصدر منصوب بفعله المحذوف تأكيداً له، والجملة مؤكدة لما قبلها أو منصوب بنعيد لأنه عدة بالإعادة وإلى هذا ذهب الزجاج، واستجود الأول الطبرسي بأن القراء يقفون على { نُّعِيدُهُ } { عَلَيْنَا } في موضع الصفة لوعداً أي وعداً لازماً علينا، والمراد لزم إنجازه من غير حاجة إلى تكلف الاستخدام { إِنَّا كُنَّا فَـٰعِلِينَ } ذلك بالفعل لا محالة، والأفعال المستقبلة التي علم الله تعالى وقوعها كالماضية في التحقق ولذا عبر عن المستقبل بالماضي في مواضع كثيرة من الكتاب العزيز أو قادرين على أن نفعل ذلك واختاره الزمخشري، وقيل عليه: إنه خلاف الظاهر.