خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ
٤٢
-الأنبياء

روح المعاني

{ قُلْ } أمر له صلى الله عليه وسلم أن يسأل أولئك المستهزئين سؤال تقريع وتنبيه كيلا يغتروا بما غشيهم من نعم الله تعالى ويقول: { مَن يَكْلَؤُكُم } أي يحفظكم { بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } أي من بأسه بقرينة الحفظ، وتقديم الليل لما أن الدواهي فيه أكثر وقوعاً وأشد وقعاً. وفي التعرض لعنوان الرحمانية تنبيه على أنه لا حفظ لهم إلا برحمته تعالى وتلقين للجواب كما قيل في قوله تعالى: { { مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ ٱلْكَرِيمِ } [الانفطار: 6] وقيل إن ذلك إيماء إلى أن بأسه تعالى إذا أراد شديد أليم ولذا يقال نعوذ بالله عز وجل من غضب الحليم وتنديم لهم حيث عذبهم من غلبت رحمته ودلالة على شدة خبثهم. وقرأ أبو جعفر والزهري وشيبة { يكلوكم } بضمة خفيفة من غير همز، وحكى الكسائي والفراء { يكلوكم } بفتح اللام وإسكان الواو.

وقوله تعالى: { ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ مُّعْرِضُونَ } إضراب عن ذلك تسجيلاً عليهم بأنهم ليسوا من أهل السماع وأنهم قوم ألهتهم النعم عن المنعم فلا يذكرونه عز وجل حتى يخافوا بأسه أو يعدوا ما كانوا فيه من الأمن والدعة حفظاً وكلاءة ليسألوا عن الكالىء على طريقة قوله:

عوجوا فحيوا لنعمى دمنة الدار ماذا تحيون من نؤَى وأحجار

وفيه أنهم مستمرون على الإعراض ذكروا ونبهوا أولاً، وفي تعليق الإعراض بذكره تعالى وإيراد اسم الرب المضاف إلى ضميرهم المنبـىء عن كونهم تحت ملكوته وتدبيره وتربيته تعالى من الدلالة على كونهم في الغاية القاصية من الضلالة والغي ما لا يخفى، وقيل إنه إضراب عن مقدر أي انهم غير غافلين عن الله تعالى حتى لا يجدي السؤال عنه سبحانه كيف وهم إنما اتخذوا الآلهة وعبدوها لتشفع لهم عنده تعالى وتقربهم إليه زلفى بل هم معرضون عن ذكره عز وجل فالتذكير يناسبهم، وهذا مع ظهوره من مساق الكلام ووضوح انطباقه على مقتضى المقام قد خفي عن الناظرين وغفلوا عنه أجمعين اهـ. وتعقب بأن السياق لتجهيلهم والتسجيل عليهم بأنهم إذا ذكروا لا يذكرون ألا يرى قوله تعالى: { { وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَاء } [الأنبياء: 45] وما ذكر يقتضي العكس لتضمنه وصفهم بإجداء الإنذار والدعاء مع أن قوله غير غافلين مناف لما يدل عليه النظم الكريم فالحق ما تقدم.