خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ
٩٠
-الأنبياء

روح المعاني

{ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ } دعاءه { وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ } وقد مر بيان كيفية ذلك { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } أي أصلحناها للمعاشرة بتحسين خلقها وكانت سيئة الخلق طويلة اللسان كما روي عن ابن عباس وعطاء بن أبـي رباح ومحمد بن كعب القرظي وعون بن عبد الله أو أصلحناها له عليه السلام برد شبابها إليها وجعلها ولوداً وكانت لا تلد كما روي عن ابن جبير وقتادة، وعلى الأول تكون هذه الجملة عطفاً على جملة { ٱسْتَجَبْنَا } لأنه عليه السلام لم يدع بتحسين خلق زوجه.

قال الخفاجي: ويجوز عطفها على { وَهَبْنَا } وحينئذ يظهر عطفه بالواو لأنه لما فيه من الزيادة على المطلوب لا يعطف بالفاء التفصيلية، وعلى الثاني العطف على { وَهَبْنَا } وقدم هبة يحيـى مع توقفها على إصلاح الزوج للولادة لأنها المطلوب الأعظم، والواو لا تقتضي ترتيباً فلا حاجة لما قيل: المراد بالهبة إرادتها، قال الخفاجي: ولم يقل سبحانه: فوهبنا لأن المراد الامتنان لا التفسير لعدم الاحتياج إليه مع أنه لا يلزم التفسير بالفاء بل قد يكون العطف التفسيري بالواو انتهى، ولا يخفى ما فيه فتدبر.

وقوله تعالى: { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ } تعليل لما فصل من فنون إحسانه المتعلقة بالأنبياء المذكورين سابقاً عليهم السلام، فضمائر الجمع للأنبياء المتقدمين. وقيل: لزكريا وزوجه ويحيـى، والجملة تعليل لما يفهم من الكلام من حصول القربى والزلفى والمراتب العالية لهم أو استئناف وقع جواباً عن سؤال تقديره ما حالهم؟ والمعلول عليه ما تقدم، والمعنى إنهم كانوا يجدون ويرغبون في أنواع الأعمال الحسنة وكثيراً ما يتعدى أسرع بفي لما فيه من معنى الجد والرغبة فليست في بمعنى إلى أو للتعليل ولا الكلام من قبيل:

يجرح في عراقيبها نصلي

{ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } أي راغبين في نعمنا وراهبين من نقمنا أو راغبين في قبول أعمالهم وراهبين من ردها، فرغباً ورهباً مصدران في موضع / الحال بتأويلهما باسم الفاعل، ويجوز أن يكون ذلك بتقدير مضاف أي ذوي رغب، ويجوز إبقاؤهما على الظاهر مبالغة، وجوز أن يكونا جمعين كخدم جمع خادم لكن قالوا إن هذا الجمع مسموع في ألفاظ نادرة. وجوز أن يكونا نصباً على التعليل أي لأجل الرغبة والرهبة، وجوز أبو البقاء نصبهما على المصدر نحو قعدت جلوساً وهو كما ترى. وحكى في «مجمع البيان» أن الدعاء رغبة ببطون الأكف ورهبة بظهورها، وقد قال به بعض علمائنا، والظاهر أن الجملة معطوفة على جملة { يُسَـٰرِعُونَ } فهي داخلة معها في حيز { كَانُواْ }، وفي عدم إعادتها رمز إلى أن الدعاء المذكور من توابع تلك المسارعة، وقرأت فرقة { يدعونا } بحذف نون الرفع، وقرأ طلحة { يدعونا } بنون مشددة أدغم نون الرفع في نون ضمير النصب، وقرأ { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } بفتح الراء وإسكان ما بعدها و { رَغَباً وَرَهَباً } بالضم والإسكان.

{ وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ } أي مخبتين متضرعين أو دائمي الوجل، وحاصل التعليل أنهم نالوا من الله تعالى ما نالوا بسبب اتصافهم بهذه الخصال الحميدة.