خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ
٩٥
-الأنبياء

روح المعاني

{ وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ } أي على أهل قرية فالكلام على تقدير مضاف أو القرية مجاز عن أهلها. والحرام مستعار للممتنع وجوده بجامع أن كل واحد منهما غير مرجو الحصول، وقال الراغب: الحرام الممنوع منه إما بتسخير إلٰهي وإما بمنع قهري وإما بمنع من جهة العقل أو من جهة الشرع أو من جهة من يرتسم أمره، وذكر أنه قد حمل في هذه الآية على التحريم بالتسخير كما في قوله تعالى: { { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ } [القصص:12].

وقرأ أبو حنيفة وحمزة والكسائي وأبو بكر وطلحة والأعمش وأبو عمرو في رواية { وَحَرَّمَ } بكسر الحاء وسكون الراء.

/ وقرأ قتادة ومطر الوراق ومحبوب عن أبـي عمرو بفتح الحاء وسكون الراء، وقرأ عكرمة { وَحَرَّمَ } [بفتح] الحاء وكسر الراء والتنوين. وقرأ ابن عباس وعكرمة أيضاً وابن المسيب وقتادة أيضاً بكسر الراء وفتح الحاء والميم على المضي. وقرأ ابن عباس وعكرمة بخلاف عنهما، وأبو العالية وزيد بن علي بضم الراء وفتح الحاء والميم على المضي أيضاً، وفي رواية أخرى عن ابن عباس أنه قرأ بفتح الحاء والراء والميم على المضي أيضاً. وقرأ اليماني { وَحَرَّمَ } بضم الحاء وكسر الراء مشددة وفتح الميم على أنه فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله.

{ أَهْلَكْنَـٰهَا } أي قدرنا هلاكها أو حكمنا به في الأزل لغاية طغيانهم وعتوهم فيما لا يزال. وقرأ السلمي وقتادة { أهلكتها } بتاء المتكلم، وقوله تعالى: { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } في تأويل اسم مرفوع على الابتداء خبره { حَرَامٌ } قال ابن الحاجب في «أماليه»: ويجب حينئذٍ تقديمه لما تقرر في النحو من أن الخبر عن أن يجب تقديمه، وجوز أن يكون { حَرَامٌ } مبتدأ و { أَنَّهُمْ } فاعل له سد مسد خبره وإن لم يعتمد على نفي أو استفهام بناءً على مذهب الأخفش فإنه لا يشترط في ذلك الاعتماد خلافاً للجمهور كما هو المشهور. وذهب ابن مالك أن رفع الوصف الواقع مبتدأ لمكتفى به عن الخبر من غير اعتماد جائز بلا خلاف وإنما الخلاف في الاستحسان وعدمه فسيبويه يقول: هو ليس بحسن والأخفش يقول: هو حسن وكذا الكوفيون كما في «شرح التسهيل».

والجملة لتقرير ما قبلها من قوله تعالى: { { كُلٌّ إِلَيْنَا رٰجِعُونَ } [الأنبياء: 93] وما في (أن) من معنى التحقيق معتبر في النفي المستفاد في { حَرَامٌ } لا في المنفي أي ممتنع البتة عدم رجوعهم إلينا للجزاء لا أن عدم رجوعهم المحقق ممتنع، وتخصيص امتناع عدم رجوعهم بالذكر مع شمول الامتناع لعدم رجوع الكل حسبما نطق به قوله تعالى: { كُلٌّ إِلَيْنَا رٰجِعُونَ } [الأنبياء: 93] لأنهم المنكرون للبعث والرجوع دون غيرهم، وهذا المعنى محكي عن أبـي مسلم بن بحر، ونقله أبو حيان عنه لكنه قال: إن الغرض من الجملة على ذلك إبطال قول من ينكر البعث، وتحقيق ما تقدم من أنه لا كفران لسعي أحد وأنه يجزى على ذلك يوم القيامة، ولا يخفى ما فيه. وقال أبو عتبة: المعنى وممتنع على قرية قدرنا هلاكها أو حكمنا به رجوعهم إلينا أي توبتهم على أن { لا } سيف خطيب مثلها في قوله تعالى: { { مَا مَنَعَكَ أَن لاَ تَسْجُدُ } [الأعراف:12] في قول، وقيل { حَرَامٌ } بمعنى واجب كما في قول الخنساء:

وإن حراماً لا أرى الدهر باكياً على شجوه إلا بكيت على صخر

ومن ذلك قوله تعالى: { { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَن لا تُشْرِكُواْ } [الأنعام:151] الخ فإن ترك الشرك واجب، وعلى هذا قال مجاهد والحسن { لاَ يَرْجِعُونَ } لا يتوبون عن الشرك. وقال قتادة ومقاتل: لا يرجعون إلى الدنيا، والظاهر على هذا أن المراد بأهلكناها أوجدنا إهلاكها بالفعل، والمراد بالهلاك الهلاك الحسي، ويجوز على القول بأن المراد بعدم الرجوع عدم التوبة أن يراد به الهلاك المعنوي بالكفر والمعاصي.

وقرىء { إِنَّهُمْ } بكسر الهمزة على أن الجملة استئناف تعليلي لما قبلها؛ فحرام خبر مبتدأ محذوف أي حرام عليها ذلك وهو ما ذكر في الآية السابقة من العمل الصالح المشفوع بالإيمان والسعي المشكور ثم علل بقوله تعالى: { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } عما هم عليه من الكفر فكيف لا يمتنع ذلك، ويجوز حمل الكلام على قراءة الجمهور بالفتح على هذا المعنى بحذف حرف التعليل أي لأنهم لا يرجعون. والزجاج قدر المبتدأ في ذلك أن يتقبل عملهم فقال: المعنى وحرام على قرية حكمنا بهلاكها أن يتقبل عملهم لأنهم لا يتوبون / ودل على ذلك قوله تعالى قبل: { { فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } [الأنبياء: 94] حيث إن المراد منه يتقبل عمله.