خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ
١١
-الحج

روح المعاني

{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } شروع في [بيان] حال المذبذبين أي ومنهم من يعبده تعالى كائناً على طرف من الدين لا ثبات له فيه كالذي يكون في طرف الجيش فإن أحس بظفر قرّ وإلا فرّ ففي الكلام استعارة تمثيلية، وقوله تعالى: { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ } الخ تفسير لذلك وبيان لوجه الشبه، والمراد من الخير الخير الدنيوي كالرخاء والعافية والولد أي إن أصابه ما يشتهي { ٱطْمَأَنَّ بِهِ } أي ثبت على ما كان عليه ظاهراً لا أنه اطمأن به اطمئنان المؤمنين الذين لا يزحزحهم عاصف ولا يثنيهم عاطف.

{ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } أي شيء يفتن به من مكروه يعتريه في نفسه أو أهله أو ماله { ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } أي مستولياً على الجهة التي يواجهها غير ملتفت يميناً وشمالاً ولا مبال بما يستقبله من حرار وجبال، وهو معنى قوله في «الكشاف»: طار على وجهه وجعله في «الكشف» كناية عن الهزيمة، وقيل هو هٰهنا عبارة عن القلق لأنه في مقابلة { ٱطْمَأَنَّ }، وأياً ما كان فالمراد ارتد ورجع عن دينه إلى الكفر.

أخرج البخاري وابن أبـي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: كان الرجل يقدم المدينة فإذا ولدت امرأته غلاماً ونتجت خيله قال: هذا دين صالح وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء، وأخرج ابن مردويه عن أبـي سعيد قال: أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم من الإسلام فأتى النبـي صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني فقال عليه الصلاة والسلام: إن الإسلام لا يقال فقال: لم أصب من ديني هذا خيراً ذهب بصري ومالي ومات ولدي فقال صلى الله عليه وسلم: يا يهودي الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة فنزلت هذه الآية، وضعف هذا ابن حجر، وقيل: نزلت في شيبة بن ربيعة أسلم قبل ظهوره عليه الصلاة والسلام وارتد بعد ظهوره وروي ذلك عن ابن عباس، وعن الحسن أنها نزلت في المنافقين.

{ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ } جملة مستأنفة أو بدل من { ٱنْقَلَبَ } كما قال أبو الفضل الرازي أو حال من فاعله بتقدير قد أو بدونها كما هو رأي أبـي حيان، والمعنى فقد الدنيا والآخرة وضيعهما حيث فاته ما يسره فيهما. وقرأ مجاهد وحميد والأعرج وابن محيصن من طريق الزعفراني وقعنب والجحدري وابن مقسم { خاسر } بزنة فاعل منصوباً على الحال لأن إضافته لفظية، وقرىء { خاسر } بالرفع على أنه فاعل { ٱنْقَلَبَ } وفيه وضع الظاهر موضع المضمر ليفيد تعليل انقلابه بخسرانه، وقيل: إنه من التجريد ففيه مبالغة، وجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو خاسر، والجملة واردة على الذم والشتم.

{ ذٰلِكَ } أي ما ذكر من الخسران، وما فيه من معنى البعد للإيذان بكونه في غاية ما يكون، وقيل إن أداة البعد لكون المشار إليه غير مذكور صريحاً { هُوَ ٱلْخُسْرٰنُ ٱلْمُبِينُ } أي الواضح كونه خسراناً لا غير.