خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ
٣١
-الحج

روح المعاني

{ حُنَفَآءَ للَّهِ } مائلين عن كل دين زائع إلى الدين الحق مخلصين له تعالى { غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } أي شيئاً من الأشياء فيدخل في ذلك الأوثان دخولاً أولياً وهما حالان مؤكدتان من واو { { فَٱجْتَنِبُواْ } [الحج: 30] وجوز أن يكون حالاً من واو { وَٱجْتَنِبُواْ } [الحج: 30] وأخَّر التبري عن التولي ليتصل بقوله تعالى: { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَاء } وهي جملة مبتدأة مؤكدة لما قبلها من الاجتناب من الإشراك، وإظهار الاسم الجليل لإظهار كمال قبح الإشراك، وقد شبه الإيمان بالسماء لعلوه والإشراك بالسقوط منها فالمشرك ساقط من أوج الإيمان إلى حضيض الكفر وهذا السقوط إن كان في حق المرتد فظاهر وهو في حق غيره باعتبار الفطرة وجعل التمكن والقوة بمنزلة الفعل كما قيل في قوله تعالى: { { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَـٰتِ } [البقرة: 257] { فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ } فإن الأهواء المردية توزع أفكاره وفي ذلك تشبيه الأفكار الموزعة بخطف جوارح الطير وهو مأخوذ من قوله تعالى: { { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَـٰكِسُونَ } [الزمر: 29] وأصل الخطف الاختلاس بسرعة.

وقرأ نافع { فتخطفه } بفتح الخاء والطاء مشددة. وقرأ الحسن وأبو رجاء والأعمش { فتخطفه } بكسر التاء والخاء والطاء مشددة، وعن الحسن كذلك إلا أنه فتح الطاء مشددة. وقرأ الأعمش أيضاً { تخطه } بغير فاء وإسكان الخاء وفتح الطاء مخففة، والجملة على هذه القراءة في موضع الحال، وأما على القراءات الأول فالفاء للعطف وما بعدها عطف على { خَرَّ } وفي إيثار المضارع إشعار باستحضار تلك الحالة العجيبة في مشاهد المخاطب تعجيباً له، وجوز أبو البقاء أن يكون الكلام بتقدير فهو يخطفه والعطف من عطف الجملة على الجملة.

{ أَوْ تَهْوِى بِهِ ٱلرّيحُ } أي تسقطه وتقذفه. وقرأ أبو جعفر وأبو رجاء { ٱلرّيَاحِ } { فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ } بعيد فإن الشيطان قد طوح به في الضلالة، وفي ذلك تشبيه الشيطان المضل بالريح المهوية وهو مأخوذ من قوله تعالى: { { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَـٰطِينَ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } [مريم: 83] فالتشبيه في الآية مفرق. والظاهر أن { تَهْوَي } عطف على { تخطف } و(أو) للتقسيم على معنى أن مهلكه إما هوى يتفرق به في شعب الخسار أو شيطان يطوح به في مهمه البوار، وفرق بين خاطر النفس والشيطان فلا يرد ما قاله ابن المنير من أن الأفكار من نتائج وساوس الشيطان، والآية سيقت لجعلهما شيئين، وفي تفسير القاضي أنها للتخيير على معنى أنت مخير بين أن تشبه المشرك بمن خر من السماء فتخطفه الطير وبين من خر من السماء فتهوي به الريح في مكان سحيق أو للتنويع على معنى أن المشبه به نوعان والمشبه بالنوع الأول الذي توزع لحمه في / بطون جوارح الطير المشرك الذي لا خلاص له من الشرك ولا نجاة أصلاً، والمشبه بالنوع الثاني الذي رمته الريح في المهاوي المشرك الذي يرجى خلاصه على بعد، وقال ابن المنير: إن الكافر قسمان لا غير، مذبذب متمادي على الشك وعدم التصميم على ضلالة واحدة وهذا مشبه بمن اختطفته الطير وتوزعته فلا يستولي طائر على قطعة منه إلا انتهبها منه آخر وتلك حال المذبذب لا يلوح له خيال إلا اتبعه وترك ما كان عليه، ومشرك مصمم على معتقد باطل لو نشر بالمناشير لم يكع ولم يرجع لا سبيل إلى تشكيكه ولا مطمع في نقله عما هو عليه فهو فرح مبتهج بضلالته وهذا مشبه في قراره على الكفر باستقرار من هوت به الريح إلى واد سافل هو أبعد الأحياز عن السماء فاستقر فيه انتهى، ولا يخفى أن ما ذكرناه أوفق بالظاهر.

وجوز غير واحد أن يكون من التشبيهات المركبة فكأنه سبحانه قال: من أشرك بالله تعالى فقد أهلك نفسه إهلاكاً ليس بعده بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير فتفرق قطعاً في حواصلها أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المطارح البعيدة، وجعل في «الكشف» (أو) على هذا للتخيير وليس بمتعين فيما يظهر، وعلى الوجهين تفريق التشبيه وتركيبه في الآية تشبيهان. وذكر الطيبـي أن فيها على التركيب تشبيهين، و { تَهْوَي } عطف على { خَرَّ } وعلى التفريق تشبيهاً واحداً و { تَهْوَي } عطف على { تخطف } وزعم أن في عبارة «الكشاف» ما يؤذن بذلك وهو غير مسلم.