خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَقَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ
٤٧
-المؤمنون

روح المعاني

{ فَقَالُواْ } عطف على { { ٱسْتَكْبَرُواْ } [المؤمنون: 46] وما بينهما اعتراض مقرر للاستكبار، والمراد فقالوا فيما بينهم بطريق المناصحة { أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا } ثنى البشر لأنه يطلق على الواحد كقوله تعالى: { { بَشَراً سَوِيّاً } [مريم: 17] ويطلق على الجمع كما في قوله تعالى: { { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً } [مريم: 26] ولم يثن (مثل) نظراً إلى كونه في حكم المصدر، ولو أفرد البشر لصح لأنه اسم جنس يطلق على الواحد وغيره، وكذا لو ثنى المثل فإنه جاء مثنى في قوله تعالى: { { يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ } [آل عمران: 13] ومجموعاً في قوله سبحانه: { { ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم } [محمد: 38] نظراً إلى أنه في تأويل الوصف إلا أن المرجح لتثنية الأول وإفراد الثاني الإشارة بالأول إلى قلتهما وانفرادهما عن قومهما مع كثرة الملأ واجتماعهم وبالثاني إلى شدة تماثلهم حتى كأنهم مع البشرين شيء واحد وهوأدل على ما عنوه.

وهذه القصص كما ترى تدل على أن مدار شبه المنكرين للنبوة قياس حال الأنبياء عليهم السلام على أحوالهم بناء على جهلهم بتفاصيل شؤون الحقيقة البشرية وتباين طبقات أفرادها في مراقي الكمال ومهاوي النقصان بحيث يكون بعضها في أعلى عليين وهم المختصون بالنفوس الزكية المؤيدون بالقوة القدسية المتعلقون لصفاء جواهرهم بكلا العالمين اللطيف والكثيف فيتلقون من جانب ويلقون إلى جانب ولا يعوقهم التعلق بمصالح الخلق عن التبتل إلى حضرة الحق وبعضها في أسفل سافلين وهم كأولئك الجهلة الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً. ومن العجب أنهم لم يرضوا للنبوة ببشر، وقد رضي أكثرهم للإلهية بحجر فقاتلهم الله تعالى ما أجهلهم، والهمزة للإنكار أي لا نؤمن لبشرين مثلنا.

{ وَقَوْمُهُمَا } يعنون سائر بني إسرائيل { لَنَا عَـٰبِدُونَ } خادمون منقادون لنا كالعبيد ففي { عَـٰبِدونَ } استعارة تبعية نظراً إلى متعارف اللغة. ونقل الخفاجي عن الراغب أنه صرح بأن العابد بمعنى الخادم حقيقة، وقال أبو عبيدة: العرب تسمي كل من دان للملك عابداً، وجوز الزمخشري الحمل على حقيقة العبادة فإن فرعون كان يدعي الإلٰهية فادعى للناس العبادة على الحقيقة. واعترض بأن الظاهر أن هذا القول من الملأ وهو يأبى ذلك، وكونهم قالوه على لسان فرعون كما يقول خواص ملك: نحن ذوو رعية كثيرة وملك طويل عريض ومرادهم ان ملكنا ذو رعية الخ خلاف الظاهر، وقيل عليه أيضاً على تقدير أن يكون القائل فرعون: لا يلزم من ادعائه الإلٰهية عبادة بني إسرائيل له أو كونه يعتقد أو يدعي عبادتهم على الحقيقة له؛ وأنت تعلم أنه متى سلم أن القائل فرعون وأنه يدعي الإلٰهية لا يقدح / في إرادته حقيقة العبادة عدم اعتقاده ذلك لأنه على ما تدل عليه بعض الآثار كثيراً ما يظهر خلاف ما يبطن حتى أنها تدل على أن دعواه الإلٰهية من ذلك، نعم الأولى تفسير { عَـٰبِدونَ } بخادمون وهو مما يصح إسناده إلى فرعون وملئه، وكأنهم قصدوا بذلك التعريض بشأن الرسولين عليهما السلام وحط رتبتهما العلية عن منصب الرسالة من وجه آخر غير البشرية.

واللام في { لَنَا } متعلقة بعابدون قدمت عليه رعاية للفواصل، وقيل للحصر أي لنا عابدون لا لهما، والجملة حال من فاعل { نُؤْمِنُ } مؤكدة لإنكار الايمان لهما بناء على زعمهم الفاسد المؤسس على قياس الرياسة الدينية على الرياسة الدنيوية الدائرة على التقدم في نيل الحظوظ الدنيوية من المال والجاه كدأب قريش حيث قالوا: { { لَوْلاَ نُزّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] وجهلهم بأن مناط الاصطفاء للرسالة هو السبق في حيازة النعوت العلية والملكات السنية التي يتفضل الله تعالى بها على من يشاء من خلقه.