خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً
١٣
-الفرقان

روح المعاني

{ وَإَذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً } أي في مكان فهو منصوب على الظرفية و { مِنْهَا } حال منه لأنه في الأصل صفة، وجوز تعلقه بألقوا. وقوله تعالى: { ضَيّقاً } صفة لمكاناً مقيدة لزيادة شدة [فإن] الكرب مع الضيق كما أن الروح مع السعة وهو السر في وصف الجنة بأن عرضها السمٰوات والأرض. وأخرج ابن أبـي حاتم عن يحيـى بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم / سئل عن قوله تعالى: { وَإَذَا أُلْقُواْ } الخ فقال: والذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها تضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح. وقال الكلبـي: الأسفلون يرفعهم اللهب والأعلون يحطهم الداخلون فيزدحمون، وقرأ ابن كثير { ضيقاً } بسكون الياء.

{ مُقْرِنِينَ } حال من ضمير { أَلْقَوْاْ } أي إذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً حال كونهم مقرنين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالجوامع، وقيل: مقرنين مع الشياطين في السلاسل كل كافر مع شيطانه وفي أرجلهم الأصفاد، وحكي عن الجبائي، وقرأ أبو شيبة صاحب معاذ بن جبل { مقرنون } بالرفع ونسبها ابن خالويه إلى معاذ، ووجهها على ما في «البحر» كونه بدلاً من ضمير { أَلْقَوْاْ } بدل نكرة من معرفة.

{ دَعَوْاْ هُنَالِكَ } أي في ذلك المكان الهائل { ثُبُوراً } أي هلاكاً كما قال الضحاك وقتادة وهو مفعول { دَّعَوَا } أي نادوا ذلك فقالوا: يا ثبوراه على معنى احضر فهذا وقتك، وجعل غير واحد النداء بمعنى التمني فيتمنون الهلاك ليسلموا مما هو أشد منه كما قيل أشد من الموت ما يتمنى معه الموت. وجوز أبو البقاء نصب { ثُبُوراً } على المصدرية لدعوا على معنى دعوا دعاء، وقيل: على المصدرية لفعل محذوف ومفعول { دَّعَوَا } مقدر أي دعوا من لا يجيبهم قائلين ثبرنا ثبوراً وكلا القولين كما ترى. ولا اختصاص لدعاء الثبور بكفرة الإنس فإنه يكون للشيطان أيضاً. أخرج أحمد وابن أبـي شيبة وعبد بن حميد والبزار وابن المنذر وابن أبـي حاتم وابن مردويه والبيهقي في «البعث» بسند صحيح عن أنس قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول من يكسى حلة من النار إبليس فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من بعده وهو ينادي يا ثبوراه ويقولون يا ثبورهم حتى يقف على النار فيقول يا ثبوراه ويقولون يا ثبورهم" الحديث، وفي بعض الروايات أن أول من يقول ذلك إبليس ثم يتبعه أتباعه، وظاهره شمول الاتباع كفرة الإنس والجن، ولا يتوهم اختصاص ذلك ببعض كفرة الإنس بناء على ما قيل إن الآية نزلت في أبـي جهل وأصحابه لما لا يخفى.