خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ
١٧
-الفرقان

روح المعاني

{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } نصب على أنه مفعول لمضمر مقدم معطوف على قوله تعالى: { { قُلْ أَذٰلِكَ } [الفرقان: 15] الخ أي قل لهم ذلك واذكر لهم بعد التقريع والتحسير يوم يحشرهم الله عز وجل، والمراد تذكيرهم بما فيه من الحوادث الهائلة على ما سمعت في نظائره أو على أنه ظرف لمضمر مؤخر قد حذف للتنبيه على كمال هوله وفظاعة ما فيه والإيذان بأن العبارة لا تحيط ببيانه أي ويوم يحشرهم يكون من الأحوال والأهوال ما لا يفي ببيانه المقال.

/ وقرأ الحسن وطلحة وابن عامر وكثير من السبعة { نَحْشُرُهُمْ } بنون العظمة بطريق الالتفات من الغيبة إلى التكلم. وقرأ الأعرج { يحشرهم } بكسر الشين، قال صاحب «اللوامح»: في كل القرآن وهو القياس في الأفعال المتعدية الثلاثية لأن يفعل بضم العين قد يكون من اللازم الذي هو فعل بضمها في الماضي، وقال ابن عطية: وهي قليلة في الاستعمال قوية في القياس لأن يفعل بكسر العين في المتعدي أقيس من يفعل بضم العين، وفيه كلام ذكره أبو حيان في «البحر».

{ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } عطف على مفعول { يَحْشُرُهُمْ } وليست الواو للمعية وجوز ذلك أبو البقاء، والمراد بالموصول عند الضحاك وعكرمة والكلبـي الأصنام بناءً أن السياق فيها وينطقها الله تعالى الذي لا يعجزه شيء، وقيل: تتكلم بلسان الحال وليس بذاك. وأخرج جماعة عن مجاهد أن المراد به الملائكة وعيسى وعزير وأضرابهم من العقلاء الذين عبدوا من دون الله سبحانه وتعالى وهو قول الجمهور على ما في «البحر» لأن السؤال والجواب يقتضيانه لاختصاصهما بالعقلاء عادة وإن كان الجماد ينطق يومئذٍ، وجاء فيما يشبه الاستفهام الآتي النص عليهم نحو قوله تعالى: { { ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَـٰئِكَةِ أَهَـؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [سبأ: 40] وقوله سبحانه: { { أأنْتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمّىَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [المائدة: 116] والظاهر أن المراد ـ بما ـ على هذا القول العقلاء المعبودون الذين ليس منهم إضلال كالملائكة والأنبياء عليهم السلام لا ما يشملهم والشياطين مثلاً فإن الجواب يأبـى ذلك بظاهره كما لا يخفى، وأطلقت { مَا } على العقلاء إما على أنها تطلق عليهم حقيقة أو مجازاً أو باعتبار الوصف كأنه قيل: أو معبوديهم، وقال بعض الأجلة: المراد ما يعم العقلاء وغيرهم إما لأن كلمة ما موضوعة للكل كما ينبـىء عنه أنك إذا رأيت شبحاً من بعيد تقول: ما هو؟ أو لأنه أريد بها الوصف فلا تختص حينئذٍ بغير العقلاء كما إذا أريد بها الذات أو لتغليب الأصنام على غيرها تنبيهاً على بعدهم عن استحقاق العبادة وتنزيلهم في ذلك منزلة من لا علم له ولا قدرة أو اعتباراً لغلبة عبدتها وكثرتهم.

{ فَيَقُولُ } أي الله عز وجل للمعبودين من دونه إثر حشر الكل تقريعاً للعبدة وتبكيتاً لهم. وقرأ الحسن وطلحة وابن عامر { فنقول } بنون العظمة أيضاً، ومن قرأ ممن عداهم هناك بالنون وهنا بالياء كان على قراءته هنا التفاتاً من التكلم إلى الغيبة، وفي نون العظمة هناك إشارة إلى أن الحشر أمر عظيم.

{ ءأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هَـؤُلاَء } بأن دعوتموهم إلى عبادتكم وإضافة { عِبَادِى } قيل للترحم أو لتعظيم جرمهم لعبادة غير خالقهم أو لتعظيم أمر إضلالهم بدعوتهم إلى عبادتهم مع كونهم عباداً لله عز وجل و { هَـؤُلاء } بدل منه، وجوز أن يكون نعتاً له { أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } أي عن السبيل بأنفسهم لا خلالهم بالنظر الصحيح وإعراضهم عن المرشد من كتاب أو رسول فحذف الجار وأوصل الفعل إلى المفعول كقوله تعالى: { { وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } [الأحزاب: 4] والأصل إلى السبيل أو للسبيل. وذكر بعض الأجلة أنه لم يقل عن السبيل للمبالغة فإن ضله بمعنى فقده وضل عنه بمعنى خرج عنه، والأول أبلغ لأنه يوهم أنه لا وجود له رأساً. وتقديم الضميرين على الفعلين لما أن المراد بالسؤال التقريعي هو المتصدي للفعل لا نفسه.