خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٢٣
-الشعراء

روح المعاني

{ قَالَ فِرْعَوْنُ } مستفهماً عن المرسل سبحانه { وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وتحقيق ذلك على ما قال العلامة الطيبـي أنه عز وجل لما أمرهما بقوله سبحانه: { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [الشعراء: 16] { { أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرٰءيلَ } [الشعراء: 17] فلا بد أن يكونا ممتثلين مؤديين لتلك الرسالة بعينها عند اللعين فلما أديت عنده اعترض أولاً بقوله: { { أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً } [الشعراء: 18] إلى آخره وثانياً بقوله: { وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ولذلك جىء بالواو العاطفة وكرر (قال) للطول فكأنه قال: أأنت الرسول وما رب العالمين؟ وقال الزمخشري: إن اللعين لما قال له بوابه: إن هٰهنا من يزعم أنه رسول رب العالمين قال له عند دخوله: وما رب العالمين؟ واعترض بأنه نظم مختل لسبق المقاولة بينهم كما أشار إليه هو في سابق كلامه. وانتصر له صاحب «الكشف» فقال: أراد أنه تعالى ذكر مرة { فَقُولا إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ فَأَرْسِلْ } [طه: 47] وأخرى { فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [الشعراء: 16] والقصة واحدة والمجلس واحد فحمله على أن الثاني ما أداه البواب من لسانه عليه السلام والأول ما خاطبه به موسى عليه السلام مشافهة وأن اللعين أخذ أولاً: في الطعن فيه وأن مثله ممن قرف برذائل الأخلاق لا يرشح لمنصب عال فضلاً عما ادعاه؛ وثانياً: في السؤال عن شأن من ادعى الرسالة عنه استهزاء، ومن هذا تبين أن سبق المقاولة لا يدل على اختلال النظم الذي أشار إليه انتهى.

وجوز بعضهم وقوع الأمر مرتين وأن فرعون سأل أولاً بقوله: { فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ } [طه: 49] وسأل ثانياً بقوله: { وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وقد قص الله تعالى الأول فيما أنزل جل وعلا أولاً وهو سورة طه والثاني فيما أنزله سبحانه ثانياً وهو سورة الشعراء، فقد روي عن ابن عباس أن سورة طه نزلت ثم الواقعة ثم طسم الشعراء، وقال آخر: يحتمل أنهما إنما قالا: { { إِنَّا رَسُولُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [الشعراء: 16] والاقتصار في سورة طه على ذكر ربوبيته تعالى لفرعون لكفايته فيما هو المقصود، وعلى القول بوقوع الأمر مرتين قيل: إن فرعون سأل في المرة الأولى بقوله: { { مِنْ رَبّكُمَا } [طه: 49] طلباً للوصف المشخص كما يقتضيه ظاهر الجواب خلافاً للسكاكي في دعواه أنه سؤال عن الجنس كأنه قال: أبشر هو أم ملك أم جني؟ والجواب من الأسلوب الحكيم وأخرى بما رب العالمين طلباً للماهية والحقيقة انتقالاً لما هو أصعب ليتوصل بذلك إلى بعض أغراضه الفاسدة حسبما قص الله تعالى بعد، و { مَا } يسئل بها عن الحقيقة مطلقاً سواء كان المسؤول عن حقيقته من أولي العلم أولاً فلا يتوهم أن حق الكلام حينئذٍ أن يقال من رب العالمين؟ حتى يوجه بأنه لإنكار اللعين له عز وجل عبر بما، ولما كان السؤال عن الحقيقة مما لا يليق بجنابه جل وعلا.