خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ
٩١
-الشعراء

روح المعاني

الضالين عن طريق الحق وهو التقوى والإيمان، أي جعلت بارزة لهم بحيث يرونها مع ما فيها من أنواع الأحوال الهائلة ويتحسرون على أنهم المسوقون إليها، وفي اختلاف الفعلين على ما ذكره بعض المحققين ترجيح لجانب الوعد لأن التعبير بالإزلاف وهو غاية التقريب يشير إلى قرب الدخول وتحققه ولذا قدم لسبق رحمته تعالى بخلاف الإبراز وهو الإراءة ولو من بعد فإنه مطمع في النجاة كما قيل من العمود إلى العمود فرج، وقال ابن كمال: في اختلاف الفعلين دلالة على أن أرض الحشر قريبة من الجحيم، وحاصله أن الجنة بعيدة من أرض المحشر بعداً مكانياً والنار قريبة منها قرباً مكانياً فلذا أسند الإزلاف أي التقريب إلى الجنة دون الجحيم، قيل: ولعله مبني على أن الجنة في السماء وأن النار تحت الأرض وأن تبديل الأرض يوم القيامة بمدها وإذهاب كريتها إذ حينئذ يظهر أمر البعد والقرب لكن لا يخفى أن كون الجنة في السماء مما يعتقده أهل السنة وليس في ذلك خلاف بينهم يعتد به وأما كون النار تحت الأرض ففيه توقف، وقال الجلال السيوطي في «إتمام الدراية»: نعتقد أن الجنة في السماء ونقف عن النار ونقول: محلها حيث / لا يعلمه إلا الله تعالى فلم يثبت عندي حديث اعتمده في ذلك، وقيل: تحت الأرض انتهى، وكون تبديل الأرض بمدها وإذهاب كريتها قول لبعضهم، واختار الإمام القرطبـي بعد أن نقل في «التذكرة» أحاديث كثيرة أن تبديل الأرض بمعنى أن الله سبحانه يخلق أرضاً أخرى بيضاء من فضة لم يسفك عليها دم حرام ولا جرى فيها ظلم قط، والأولى أن يقال في بعد الجنة وقرب النار من أرض المحشر: إن الوصول إلى الجنة بالعبور على الصراط وهو منصوب على متن جهنم كما نطقت به الأخبار فالوصول إلى جهنم أولاً وإلى الجنة آخراً بواسطة العبور وهو ظاهر في القرب والبعد.

ثم أن ظاهر الآية يقتضي أن الجنة تنقل عن مكانها اليوم يوم القيامة إذ التقريب يستدعي النقل وليس في الأحاديث على ما نعلم ما يدل على ذلك نعم جاء فيها ما يدل على نقل النار. ففي «التذكرة» أخرج مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك" ، والظاهر أن معنى يؤتى بها يجاء بها من المحل الذي خلقها الله تعالى فيه وقد صرح بذلك في «التذكرة»، وقال أبو بكر الرازي في «أسئلته» فإن قيل: قال الله تعالى { { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الشعراء: 90] أي قربت والجنة لا تنتقل عن مكانها ولا تحول قلنا: معناه وأزلفت المتقون إلى الجنة وهذا كما يقال الحاج إذا دنوا إلى مكة قربت مكة منا، وقيل: معناه أنها كانت محجوبة عنهم فلما رفعت الحجب بينها وبينهم كان ذلك تقريباً انتهى، ويرد على الأخير أنه يمكن أن يقال مثله في الجحيم وحينئذ يسئل عن وجه اختلاف الفعلين. ويرد على القول بأن الجنة لا تنتقل عن مكانها أنه خلاف ظاهر الآية ولا يلزم لصحة القول به نقل حديث يدل على نقلها يومئذ فلا مانع من القول به وتفويض الكيفية إلى علم من لا يعجزه شيء وهو بكل شيء عليم وإذا أريد التأويل فليكن ذلك بحمل التقريب على التقريب بحسب الرؤية وإن لم يكن هناك نقل فقد يرى الشيء قريباً وإن كان في نفس الأمر في غاية البعد كما يشاهد ذلك في النجوم، وقد يقرب البعيد في الرؤية بواسطة المناطر والآلات الموضوعة لذلك وقد ينعكس الحال بواسطتها أيضاً فيرى القريب بعيداً ومتى جاز وقوع ذلك بواسطة الآلات في هذه النشأة جاز أن يقع في النشأة الأخرى بما لا يعلمه إلا اللطيف الخبير فتأمل والله تعالى أعلم.

وقرأ الأعمش { فبرزت } بالفاء، وقرأ مالك بن دينار { وبرزت } بالفتح والتخفيف { والجحيم } بالرفع على الفاعلية.