خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ
٣٦
-النمل

روح المعاني

{ فَلَمَّا جَآء سُلَيْمَـٰنَ } في الكلام حذف أي فأرسلت الهدية فلما جاء الخ، وضمير { جَاء } للرسول، وجوز أن يكون لما أهدت إليه والأول أولى، وقرأ عبد الله { فَلَمَّا جاؤا } أي المرسلون { قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ } خطاب للرسول والمرسل تغليباً للحاضر على الغائب وإطلاقاً للجمع على الاثنين، وجوز أن يكون للرسول ومن معه وهو أوفق بقراءة عبد الله، ورجح الأول لما فيه من تشديد الإنكار والتوبيخ المستفادين من الهمزة على ما قيل وتعميمهما لبلقيس وقومها، وأيد بمجىء قوله تعالى: { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ } [النمل: 37] بالإفراد؛ وتنكير { مالِ } للتحقير.

وقرأ جمهور السبعة { تمدونن } بنونين وأثبت بعض الياء. وقرأ حمزة بإدغام نون الرفع في نون الوقاية وإثبات ياء المتكلم. وقرأ المسيبـي عن نافع بنون واحدة خفيفة والمحذوف نون الوقاية، وجوز أن يكون الأولى فرفعه بعلامة مقدرة كما قيل في قوله:

أبيت أسري وتبيتي تدلكي وجهك بالعنبر والمسك الذكي

{ فَمَا ءَاتَانيَ ٱللَّهِ } أي من النبوة والملك الذي لا غاية وراءه { خَيْرٌ مّمَّا ءاتِاكُمْ } أي من المال الذي من جملته ما جئتم به، وقيل: عنى بما آتاه المال لأنه المناسب للمفضل عليه والأول أولى لأنه أبلغ، والجملة تعليل للإنكار والكلام كناية عن عدم القبول لهديتهم، وليس المراد منه الافتخار بما أوتيه فكأنه قيل: أنكر إمدادكم إياي بمال لأن ما عندي خير منه فلا حاجة لي إلى هديتكم ولا وقع لها عندي، والظاهر أن الخطاب المذكور كان أول ما جاؤه كما يؤذن به قوله تعالى: { فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ } الخ، ولعل ذلك لمزيد حرصه على إرشادهم إلى الحق، وقيل: لعله عليه السلام قال لهم ما ذكر بعد أن جرى بينهم وبينه ما جرى مما في خبر وهب وغيره، واستدل بالآية على استحباب رد هدايا المشركين. والظاهر أن الأمر كذلك إذا كان في الرد مصلحة دينية لا مطلقاً، وإنما لم يقل: وما آتاني الله خير مما آتاكم لتكون الجملة حالاً لما أن مثل هذه الحال وهي الحال المقررة للإشكال يجب أن تكون معلومة بخلاف العلة وهي هنا ليست كذلك.

وقوله تعالى: { بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } إضراب عما ذكر من إنكار الإمداد بالمال وتعليله إلى بيان ما حملهم عليه من قياس حاله عليه السلام على حالهم وهو قصور همتهم على الدنيا والزيادة فيها فالمعنى أنتم تفرحون بما يهدى إليكم لقصور همتكم على الدنيا وحبكم الزيادة فيها، ففي ذلك من الحط عليهم ما لا يخفى، والهدية مضافة إلى المهدى إليه وهي تضاف إلى ذلك كما تضاف إلى المهدي أو إضراب / عن ذلك إلى التوبيخ بفرحهم بهديتهم التي أهدوها إليه عليه السلام فرح افتخار وامتنان واعتداد بها، وفائدة الإضراب التنبيه على أن إمداده عليه السلام بالمال منكر قبيح، وعد ذلك مع أنه لا قدر له عنده عليه السلام مما يتنافس فيه المتنافسون أقبح والتوبيخ به أدخل، قيل: وينبـىء عن اعتداهم بتلك الهدية التنكير في قول بلقيس: { وَإِنّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ } [النمل: 35] بعد عدها إياه عليه السلام ملكاً عظيماً. وكذا ما تقدم في خبر وهب وغيره من حديث الحق والجزعة وتغيير زي الغلمان والجواري وغير ذلك، وقيل: فرحهم بما أهدوه إليه عليه السلام من حيث توقعهم به ما هو أزيد منه فإن الهدايا للعظماء قد تفيد ما هو أزيد منها ما لا أو غيره كمنع تخريب ديارهم هنا، وقيل: الكلام كناية عن الرد، والمعنى أنتم من حقكم أن تفرحوا بأخذ الهدية لا أنا فخذوها وافرحوا وهو معنى لطيف إلا أن فيه خفاء.