خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يٰمُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ
١٩
-القصص

روح المعاني

{ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِٱلَّذِى هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا } فإن الظاهر على ذاك به بدل الذي؛ والبطش الأخذ بصولة وسطوة، والتنوين في { عدو } للتفخيم أي عدو عظيم العداوة ولإرادة ذلك لم يضفه، والمراد بالذي هو عدو لهما القبطي، وقد كان القبط أعظم الناس عداوة لبني إسرائيل وقيل: عداوته لهما لأنه لم يكن على دينهما، وقرأ الحسن وأبو جعفر { يَبْطِشَ } بضم الطاء.

{ قَالَ يَٰمُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ } قاله الإسرائيلي الذي يستصرخه على ما روي عن ابن عباس وأكثر المفسرين وكأنه توهم إرادة البطش به دون القبطي من تسمية موسى عليه السلام إياه غوياً، وقال الحسن: قاله القبطي الذي هو عدو لهما كأنه توهم من قوله للإسرائيلي { إِنَكَ لَغَوِىٌّ } [القصص: 18] أنه الذي قتل القبطي بالأمس له ولا بعد فيه لأن ما ذكر إما إجمال لكلام يفهم منه ذلك أو لأن قوله ذلك لمظلوم انتصر به خلاف الظاهر فلا بعد للانتقال منه لذلك، والذي في التوراة التي بأيدي اليهود اليوم ما هو صريح في أن هذين / الرجلين كانا من بني إسرائيل، وأما الرجلان اللذان رآهما بالأمس فأحدهما إسرائيلي والآخر مصري، ووجه أمر العداوة على ذلك بأن هذا الذي أراد عليه السلام أن يبطش به كان ظالماً لمن استصرخه فيكون عدواً له وعاصياً لله تعالى فيكون عدواً لموسى عليه السلام، ويحتمل أن تكون عداوته لهما لكونه مخالفاً لما هما عليه من الدين وإن كان إسرائيلياً وفيها أيضاً ما هو صريح في أن الظالم هو قائل ذلك. وأنت تعلم أن هذه التوراة لا يلتفت إليها فيما يكذب القرآن أو السنة الصحيحة وهي فيما عدا ذلك كسائر أخبار بني إسرائيل لا تصدق ولا تكذب. نعم قد يستأنس بها لبعض الأمور.

ثم إن ما فيها من قصة موسى عليه السلام مخالف لما قصه الله تعالى منها هنا، وفي سائر المواضع زيادة ونقصاً وهو ظاهر لمن وقف عليها، ولا يخفى الحكم في ذلك، وقد خلت هنا عن ذكر مجيء مؤمن آل فرعون ونصحه لموسى عليه السلام وكذا عن ذكر ما يدل على قوله: { إِن تُرِيدُ } أي ما تريد { إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِى ٱلأَرْضِ } وهو الذي يفعل كل ما يريد من الضرب والقتل ولا ينظر في العواقب، وقيل: المتعظم الذي لا يتواضع لأمر الله تعالى، وأصله على ما قيل: النخلة الطويلة فاستعير لما ذكر إما باعتبار تعاليه المعنوي أو تعظمه. وأخرج ابن المنذر عن الشعبـي أنه قال: من قتل رجلين أي بغير حق فهو جبار، ثم تلا هذه الآية، وأخرج ابن أبـي حاتم نحوه عن عكرمة { وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ } بين الناس فتدفع التخاصم بالتي هي أحسن، ولما قال هذا انتشر الحديث وارتقى إلى فرعون وملئه فهموا بقتل موسى عليه السلام فخرج مؤمن من آل فرعون هو ابن عم فرعون ليخبره بذلك وينصحه كما قال عز وجل: { وَجَاء رَجُلٌ مّنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ... }.