خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٨٥
-القصص

روح المعاني

{ إِنَّ ٱلَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ } أي أوجب عليك العمل به كما روي عن عطاء وعن مجاهد أي أعطاكه، وعن مقاتل وإليه ذهب الفراء وأبو عبيدة أي أنزله عليك والمعول عليه ما تقدم. { لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } أي إلى محل عظيم القدر اعتدت به وألفته على أنه من العادة لا من العود، وهو كما في «صحيح البخاري»، وأخرجه ابن أبـي شيبة وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم وابن مردويه والبيهقي في «الدلائل» من طرق عن ابن عباس مكة، وروي ذلك أيضاً عن مجاهد والضحاك وجوز أن يكون من العود، والمراد به مكة أيضاً بناء على ما في «مجمع البيان» عن القتيبـي أن معاد الرجل بلده لأنه يتصرف في البلاد ثم يعود إليه، وقد يقال: أطلق المعاد على مكة لأن العرب كانت تعود إليها في كل سنة لمكان البيت فيها، وهذا وعد منه عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو بمكة أنه عليه الصلاة والسلام يهاجر منها ويعود إليها، وروي عن غير واحد أن الآية نزلت بالجحفة بعد أن خرج صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجراً واشتاق إليها.

ووجه ارتباطها بما تقدمها تضمنها الوعد بالعاقبة الحسنى في الدنيا كما تضمن ما قبلها الوعد بالعاقبة الحسنى في الآخرة. وقيل: إنه تعالى لما ذكر من قصة موسى عليه السلام وقومه مع قارون وبغيه واستطالته عليهم وهلاكه ونصرة أهل الحق عليه ما ذكر ذكر جل شأنه هنا ما يتضمن قصة سيدنا صلوات الله تعالى وسلامه عليه وأصحابه مع قومه واستطالتهم عليه وإخراجهم إياه من مسقط رأسه ثم إعزازه عليه الصلاة والسلام بالإعادة إلى مكة وفتحه إياها منصوراً مكرماً ووسط سبحانه بينهما ما هو كالتخلص من الأول إلى الثاني. وأخرج الحاكم في «التاريخ». والديلمي عن علي كرم الله تعالى وجهه عن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه فسر المعاد بالجنة، وأخرج تفسيره بها ابن أبـي شيبة. والبخاري في «تاريخه». وأبو يعلى وابن المنذر عن أبـي سعيد الخدري وأخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس، والتنكير عليه للتعظيم أيضاً، ووجه ارتباط الآية بما قبلها أنها كالتصريح ببعض ما تضمنه ذلك.

واستشكل رده عليه الصلاة والسلام إلى الجنة من حيث إنه يقتضي سابقية كونه صلى الله عليه وسلم فيها مع أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن فيها. / وأجيب بالتزام السابقية المذكورة ويكفي فيها كونه صلى الله عليه وسلم فيها بالقوة إذ كان في ظهر آدم عليهما الصلاة والسلام حين كان فيها، وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم لما كان مستعداً لها من قبل كان كأنه كان فيها فالسابقية باعتبار ذلك الاستعداد على نحو ما قيل في قوله تعالى في الكفار: { { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } [الصافات: 68] ولا يخفى ما في كلا القولين من البعد، وقريب منهما ما قيل: إن ذلك باعتبار أنه عليه الصلاة والسلام دخلها ليلة المعراج، وقد يقال: إن تفسيره بالجنة بيان لبعض ما يشعر به المعاد بأن يكون عبارة عن المحشر فقد صار كالحقيقة فيه لأنه ابتداء العود إلى الحياة التي كان المعاد عليها وجعله عظيماً كما يشعر به التنوين لعظمة ماله صلى الله عليه وسلم فيه ومنه الجنة، فالمعاد بواسطة تنوينه الدال على التعظيم يشعر بالجنة لأنها الحاوية مما أعد له صلى الله عليه وسلم من الأمور العظيمة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وقريب من تفسيره بالمحشر تفسيره بالآخرة كما أخرج ذلك عبد بن حميد وابن مردويه، عن أبـي سعيد الخدري، وتفسيره بيوم القيامة كما أخرجه ابن أبـي حاتم عن ابن عباس وعبد بن حميد عن عكرمة إلا أنه على ما ذكر اسم زمان، وعلى ما تقدم اسم مكان.

ومما يشعر بأنه ليس المراد مجرد الرد إلى المحشر أو الآخرة أو يوم القيامة ما أخرجه الفريابـي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبـي حاتم عن مجاهد أنه قال في الآية: إن له معاداً يبعثه الله تعالى يوم القيامة ثم يدخله الجنة. ويتخرج على نحو ما قلنا تفسيره بالمقام المحمود وهو مقام الشفاعة العظمى يوم القيامة. وجاء في رواية أخرى رواها عبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عباس وأبـي سعيد الخدري أيضاً تفسيره بالموت، ورواها معهما عن الحبر الفريابـي وابن أبـي حاتم والطبراني، وكونه معاداً لقوله تعالى: { وَكُنتُم أَمْوٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ } [البقرة: 28] ولعل تعظيمه باعتبار أنه باب لوصوله صلى الله عليه وسلم إلى ما أعد الله عز وجل له من المقام المحمود والمنزلة العليا في الجنة إلى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وجل المقصود ما أشعر به التعظيم. وأخرج ابن أبـي حاتم عن نعيم القاري أنه فسره ببيت المقدس. وكأن إطلاق المعاد عليه باعتبار أنه صلى الله عليه وسلم أسري به إليه ليلة المعراج، والوعد برده عليه الصلاة والسلام إليه وعد له بالإسراء إليه مرة أخرى أو باعتبار أن أرضه أرض المحشر فالمراد بالرد إليه الرد إلى المحشر، وهذا غاية ما يقال في توجيه ذلك. فإن قبل فذاك وإلا فالأمر إليك؛ وكأني بك تختار ما في «صحيح البخاري» ورواه الجماعة الذين تقدم ذكرهم عن ابن عباس من أنه مكة. وربما يخطر بالبال أن يراد بالمعاد الأمر المحبوب بنوع تجوز ويجعل بحيث يشمل مكة والجنة وغيرهما مما هو محبوب لديه صلى الله عليه وسلم، ويراد برده عليه الصلاة والسلام إلى الأمر المحبوب إيصاله إليه مرة بعد أخرى فالرد هنا مثله في قوله تعالى: { { فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِى أَفْوَاهِهِمْ } [إبراهيم: 9] وعليه يهون أمر اختلاف الروايات التي سمعتها في ذلك فتدبر.

{ قُل رَّبّى أَعْلَمُ مَن جَاء بِٱلْهُدَىٰ } يريد بذلك نفسه صلى الله عليه وسلم وبقوله سبحانه: { وَمَنْ هُوَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } المشركين الذين بعث إليهم صلى الله عليه وسلم و { مِنْ } منتصب بفعل يدل عليه { أعلم } لا بأعلم لأن أفعل لا ينصب المفعول به في المشهور أي يعلم من جاء الخ، وأجاز بعضهم أن يكون / منصوباً بأعلم على أنه بمعنى عالم، والمراد أنه عز وجل يجازي كلاً ممن جاء بالهدى ومن هو في ضلال على عمله، والجملة تقرير لقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ } الخ. وفي «معالم التنزيل» هذا جواب لكفار مكة لما قالوا للنبـي صلى الله عليه وسلم إنك في ضلال، ولعله لهذا وكون السبب فيه مجيئه عليه الصلاة والسلام إليهم بالهدى قيل: في جانبه صلى الله عليه وسلم { من جاء بالهدى } وفي جانبهم { من هو في ضلال مبين }، ولم يؤت بهما على طرز واحد.