خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرينَ
٣٣
-العنكبوت

روح المعاني

{ وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا } المذكورون بعد مفارقتهم إبراهيم عليه السلام { لُوطاً سِىء بِهِمْ } أي اعتراه المساءة والغم بسبب الرسل مخافة أن يتعرض لهم قومه بسوء كما هو عادتهم مع الغرباء، وقد جاءوا إليه عليه السلام بصور حسنة إنسانية. وقيل: ضمير { بِهِمُ } للقوم أي سيء بقومه لما علم من عظيم البلاء النازل بهم، وكذا ضمير { بِهِمُ } الآتي وليس بشيء، و { أَن } مزيدة لتأكيد الكلام التي زيدت فيه فتؤكد الفعلين واتصالهما المستفاد من (لما) حتى كأنهما وجدا في جزء واحد من الزمان فكأنه قيل: لما أحس بمجيئهم فاجأته المساءة من غير ريث.

{ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا } أي وضاق بشأنهم وتدبير أمرهم ذرعه أي طاقته كقولهم: ضاقت يده، ويقابله رحب ذرعه بكذا إذا كان مطيقاً له قادراً عليه، وذلك أن طويل الذراع ينال ما لا يناله قصير الذراع. { وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ } عطف على { سيء }، وجوز أن يكون عطفاً على مقدر أي قالوا: إنا رسل ربك وقالوا الخ، وأياً ما كان فالقول كان بعد أن شاهدوا فيه مخايل التضجر من جهتهم وعاينوا أنه عليه السلام قد عجز عن مدافعة قومه حتى آلت به الحال إلى أن قال: { { لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءاوي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } [هود: 80] والخوف للمتوقع والحزن للواقع في الأكثر، وعليه فالمعنى لا تخف من تمكنهم منا ولا تحزن على قصدهم إيانا وعدم اكتراثهم بك، ونهيهم عن الخوف من التمكن إن كان قبل إعلامهم إياه أنهم رسل الله تعالى فظاهر، وإن كان بعد الإعلام فهو لتأنيسه وتأكيد ما أخبروه به. / وقال الطبرسي: المعنى لا تخف علينا وعليك ولا تحزن بما نفعله بقومك.

{ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ } فلا يصيبكم ما يصيبهم من العذاب { إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ } إنها { كَانَتْ } في علم الله تعالى { مِنَ ٱلْغَـٰبِرِينَ } وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب { لَنُنَجّيَنَّهُ } [العنكبوت: 32] و { منجوك } بالتخفيف من الإنجاء، ووافقهم ابن كثير في الثاني. وقرأ الجمهور بشد نون التوكيد، وفرقة بتخفيفها وأياً ما كان فمحل الكاف من { منجوك } الجر بالإضافة، ولذا حذفت النون عند سيبويه و { أَهْلِكَ } منصوب على إضمار فعل أي وننجي أهلك، وذهب الأخفش وهشام إلى أن الكاف في محل النصب و{ أهلك } معطوف عليه وحذفت النون لشدة طلب الضمير الاتصال بما قبله للإضافة، وقال بعض الأجلة: لا مانع من أن يكون لمثل هذا الكاف محلان الجر والنصب ويجوز العطف عليها بالاعتبارين، وقرأ نافع وابن كثير والكسائي { سىء } بإشمام السين الضم، وقرأ عيسى وطلحة { سوء } بضمها وهي لغة بني هذيل وبني دبير يقولون في نحو قيل وبيع قول وبوع وعليه قوله:

حوكت على نولين إذ تحاك تحتبط الشوك ولا تشاك