خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ
٣٠
-السجدة

روح المعاني

{ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم، وعن ابن عباس أن ذلك منسوخ بآية السيف، ولا يخفى أنه يحتمل أن المراد الإعراض عن مناظرتهم لعدم نفعها أو تخصيصه بوقت معين فلا يتعين النسخ. { وَٱنتَظِرْ } النصرة عليهم وهلاكهم { إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ } قال الجمهور: أي الغلبة عليكم كقوله تعالى: { { فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبّصُونَ } [التوبة: 52] وقيل: الأظهر أن يقال: إنهم منتظرون هلاكهم كما في قوله تعالى: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مّنَ ٱلْغَمَامِ } [البقرة: 210] الآية، ويقرب منه ما قيل: وانتظر عذابنا لهم إنهم منتظرون أي هذا حكمهم وإن كانوا لا يشعرون فإن استعجالهم المذكور وعكوفهم على ما هم عليه من الكفر والمعاصي في حكم انتظارهم العذاب المترتب عليه لا محالة. وقرأ اليماني { مُنتَظِرُونَ } بفتح الظاء اسم مفعول على معنى أنهم أحقاء أن ينتظر هلاكهم أو أن الملائكة عليهم السلام ينتظرونه والمراد أنهم هالكون لا محالة.

هذا ومن باب الإشارة: قوله تعالى: { مَا لَكُمْ مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ } [السجدة: 4] فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي الالتفات إلى الأسباب والاعتماد عليها، وقوله سبحانه: { يُدَبّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَاء إِلَى ٱلأَرْضِ } [السجدة: 5] فيه إشارة إلى أن تدبير العباد عند تدبيره عز وجل لا أثر له فطوبـى لمن رزق الرضا بتدبير الله تعالى واستغنى به عن تدبيره { ٱلَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْء خَلَقَهُ } فيه إرشاد إلى أنه لا ينبغي لأحد أن يستقبح شيئاً من المخلوقات، وقد حكي أن نوحاً عليه السلام بصق على كلب أجرب فأنطق الله تعالى الكلب فقال: يا نوح أعبتني أم عبت خالقي فناح عليه السلام لذلك زماناً طويلاً فالأشياء كلها حسنة كل في بابه والتفاوت إضافي، وفي قوله تعالى: { وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَـٰنِ مِن طِينٍ } [السجدة: 7] إلى آخر الآية بعد قوله سبحانه: { ٱلَّذِى أَحْسَنَ } الخ إشارة إلى التنقل في أطوار الحسن والعروج في معارجه فكم بين الطين والإنسان السميع البصير العالم فإن الإنسان مشكاة أنوار الذات والصفات والطين بالنسبة إليه كلا شيء { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـئَايَـٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } [السجدة: 15] إشارة إلى حال كاملي الإيمان وعلو شأن السجود والتسبيح والتحميد والتواضع لعظمته عز وجل { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } إشارة إلى سهرهم في مناجاة محبوبهم وملاحظة جلاله وجماله، وفي قوله: { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ } أي من المعارف وأنواع الفيوضات { { يُنفِقُونَ } [السجدة: 16] إشارة إلى تكميلهم للغير بعد كمالهم في أنفسهم وذكر القوم أن العذاب الأدنى الحرص على الدنيا والعذاب الأكبر العذاب على ذلك. وقال بعضهم: الأول التعب في طلب الدنيا والثاني شتات السر، وقيل: الأول حرمان المعرفة والثاني الاحتجاب عن مشاهدة المعروف، وقيل: الأول الهوان والثاني الخذلان { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا يُوقِنُونَ } [السجدة: 24] فيه إشارة إلى ما ينبغي أن يكون المرشد عليه من الأوصاف وهو الصبر على مشاق العبادات وأنواع البليات وحبس النفس عن ملاذ الشهوات والإيقان بالآيات فمن يدعي الإرشاد وهو غير منصف بما ذكر فهو ضال مضلل { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ } [السجدة: 30] فيه إشارة إلى أنه ينبغي الإعراض عن المنكرين المستهزئين بالعارفين والسالكين إذا لم ينجع فيهم الإرشاد والنصيحة وإلى أنهم هالكون لا محالة فإن الإنكار الذي لا يعذر صاحبه سم قاتل وسهم هدفه المقاتل نعوذ بالله تعالى من الحور بعد الكور بحرمة حبيبه الأكرم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم.