خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً
١٣
-الأحزاب

روح المعاني

{ وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ } قال السدي: هم عبد الله بن أبـي ابن سلول وأصحابه، وقال مقاتل: هم بنو سلمة، وقال أوس بن رومان: هم أوس بن قيظي وأصحابه بنو حارثة وضمير { مِنْهُمْ } للمنافقين أو للجميع { يٰأَهْلَ يَثْرِبَ } هو اسم المدينة المنورة، وقال أبو عبيدة اسم بقعة وقعت المدينة في ناحية منها، وقيل: اسم أرضها وهو عليها ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل أو التأنيث ولا ينبغي تسمية المدينة بذلك أخرج أحمد وابن أبـي حاتم وابن مردويه عن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله تعالى هي طابة هي طابة هي طابة» وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن رسول الله عليه الصلاة والسلام «لا تدعونها يثرب فإنها طيبة يعني المدينة ومن قال يثرب فليستغفر الله تعالى ثلاث مرات هي طيبة هي طيبة هي طيبة»، وفي «الحواشي الخفاجية» أن تسميتها به مكروها كراهة تنزيهية، وذكر في وجه ذلك أن هذا الاسم يشعر بالتثريب وهو اللوم والتعيير. وقال الراغب: التثريب التقريع [والتقهير] بالذنب والثرب شحمة رقيقة، ويثرب يصح أن يكون أصله من هذا الباب والياء تكون فيه زائدة انتهى، وقيل: يثرب اسم رجل من العمالقة وبه سميت المدينة وكان يقال لها أثرب أيضاً، ونقل الطبرسي عن الشريف المرتضى أن للمدينة أسماء منها يثرب وطيبة وطابة والدار والسكينة وجائزة والمحبورة والمحبة والمحبوبة والعذاء والمرحومة والقاصمة ويندد انتهى، وكأن القائلين اختاروا يثرب من / بين الأسماء مخالفة له صلى الله عليه وسلم لما علموا من كراهيته عليه الصلاة والسلام لهذا الاسم من بينها، ونداؤهم أهل المدينة بعنوان أهليتهم لها ترشيح لما بعد من الأمر بالرجوع إليها.

{ لاَ مُقَامَ لَكُمْ } أي لا مكان إقامة أو لا إقامة لكم أي لا ينبغي أو لا يمكن لكم الإقامة هٰهنا. وقرأ أبو جعفر وشيبة وأبو رجاء والحسن وقتادة والنخعي وعبد الله بن مسلم وطلحة وأكثر السبعة { لاَ مُقَامَ } بفتح الميم وهو يحتمل أيضاً المكان أي لا مكان قيام والمصدر أي لا قيام لكم، والمعنى على نحو ما تقدم { فَٱرْجِعُواْ } أي إلى منازلكم بالمدينة ليكون ذلك أسلم لكم من القتل أو ليكون لكم عند هذه الأحزاب يد، قيل: ومرادهم أمرهم بالفرار على ما يشعر به ما بعد لكنهم عبروا عنه بالرجوع ترويجاً لمقالتهم وأيذاناً بأنه ليس من قبيل الفرار المذموم، وقيل: المعنى لا مقام لكم في دين محمد صلى الله عليه وسلم فارجعوا إلى ما كنتم عليه من الشرك أو فارجعوا عما بايعتموه عليه وأسلموه إلى أعدائه عليه الصلاة والسلام، أو لا مقام لكم بعد اليوم في يثرب أو نواحيها لغلبة الأعداء فارجعوا كفاراً ليتسنى لكم المقام فيها لارتفاع العداوة حينئذٍ. وقيل: يجوز أن يكونوا خافوا من قتل النبـي صلى الله عليه وسلم إياهم بعد غلبته عليه الصلاة والسلام حيث ظهر أنهم منافقون فقالوا: { لاَ مُقَامَ لَكُمْ } على معنى لا مقام لكم مع النبـي صلى الله عليه وسلم لأنه إن غلب قتلكم فارجعوا عما بايعتموه عليه وأسلموه عليه الصلاة والسلام أو فارجعوا عن الإسلام واتفقوا مع الأحزاب أو ليس لكم محل إقامة في الدنيا أصلاً إن بقيتم على ما أنتم عليه فارجعوا عما بايعتموه عليه عليه الصلاة والسلام إلى آخره، والأول أظهر وأنسب بما بعده، وبعض هذه الأوجه بعيد جداً كما لا يخفى.

{ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مّنْهُمُ ٱلنَّبِىَّ } عطف على { قَالَتْ } وصيغة المضارع لما مر من استحضار الصورة، والمستأذن على ما روي عن ابن عباس وجابر بن عبد الله بنو حارثة بن الحرث، قيل: أرسلوا أوس بن قيظى أحدهم للاستئذان، وقال السدي: جاء هو ورجل آخر منهم يدعى أبا عرابة بن أوس، وقيل: المستأذن بنو حارثة وبنو سلمة استأذنوه عليه الصلاة والسلام في الرجوع ممتثلين بأمر أولئك القائلين يا أهل يثرب.

وقوله تعالى: { يَقُولُونَ } بدل من { يستأذن } أو حال من فاعله أو استئناف مبني على السؤال عن كيفية الاستئذان { إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ } أي ذليلة الحيطان يخاف عليها السراق كما نقل عن السدي، وقال الراغب: أي متخرقة ممكنة لمن أرادها، وقال الكلبـي: أي خالية من الرجال ضائعة، وقال قتادة: قاصية يخشى عليها العدو؛ وأصلها على ما قيل مصدر بمعنى الخلل ووصف بها مبالغة وتكون صفة للمؤنث والمذكر والمفرد وغيره كما هو شأن المصادر، وجوز أن تكون صفة مشبهة على أنها مخفف عورة بكسر الواو كما قرأ بذلك هنا وفيما بعد ابن عباس وأبو يعمر وقتادة وأبو رجاء وأبو حيوة وابن أبـي عبلة وأبو طالوت وابن مقسم وإسماعيل بن سليمان عن ابن كثير من عورت الدار إذا اختلت، قال ابن جني: صحة الواو على هذا شاذة والقياس قلبها ألفاً فيقال عارة كما يقال كبش صاف ونعجة صافة ويوم راح ورجل مال والأصل صوف وصوفة وروح ومول. وتعقب بأن القياس إنما يقتضي القلب إذا وقع القلب في الفعل وعور هنا قد صحت عينه حملاً على أعور المشدد، ورجح كونها مصدراً وصف به للمبالغة بأنه الأنسب بمقام الاعتذار كما يفصح عنه تصدير / مقالتهم بحرف التحقيق، لكن ينبغي أن يقال في قوله تعالى: { وَمَا هِىَ بِعَوْرَةٍ } إذا أجري فيه هذا اللفظ كما أجري فيما قبله أن المراد المبالغة في النفي على نحو ما قيل قوله تعالى: { { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } [فصلت: 46] والواو فيه للحال أي يقولون ذلك والحال أنها ليست كذلك { إِن يُرِيدُونَ } أي ما يريدون بالاستئذان { إِلاَّ فِرَاراً } أي هرباً من القتال ونصرة المؤمنين قاله جماعة، وقيل: فراراً من الدين.