خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٢٤
-سبأ

روح المعاني

{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مّنَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } أمر صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك تبكيتاً للمشركين بحملهم على الإقرار بأن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وإن الرزاق هو الله عز وجل فإنهم لا ينكرونه وحيث كانوا يتلعثمون أحياناً في الجواب مخافة الإلزام قيل له عليه الصلاة والسلام { قُلِ ٱللَّهُ } إذ لا جواب سواه عندهم أيضاً { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي وإن أحد الفريقين منا معشر الموحدين المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية العابدية وحده عز وجل ومنكم فرقة المشركين به العاجزين في أنفسهم عن دفع أدنى ضر وجلب أحقر نفع وفيهم النازل إلى أسفل المراتب الإمكانية المتصفون بأحد الأمرين من الاستقرار على الهدى والانغماس في الضلال، وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من ماول أو مناف قال لمن خوطب به: قد انصفك صاحبك، وفي درجة بعد تقدمه ما قدم من التقرير البليغ دلالة ظاهرة على من هو من الفريقين على هدى ومن هو في ضلال ولكن التعريض أبلغ من التصريح وأنضل بالمجادل إلى الغرض وأهجم به على الغلبة مع قلة شغب الخصم وفل شوكته بالهوينا، ونحوه قول الرجل لصاحبه قد علم الله تعالى الصادق مني ومنك وإن أحدنا لكاذب، ومنه قول حسان يخاطب أبا سفيان بن حرب وكان قد هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم:

أتهجوه ولست له بكفىء فشركما لخيركما الفداء

وقول أبـي الأسود:

يقول الأرذلون بنو قشير طوال الدهر لا تنسى عليا
بنو عم النبـي وأقربوه أحب الناس كلهم إليا
فإن يك حبهم خيراً أصبه ولست بمخطىء إن كان غيا

وذهب أبو عبيدة إلى أن (أو) بمعنى الواو كما في قوله:

سيان كسر رغيفه أو كسر عظم من عظامه

والكلام من باب اللف والنشر المرتب بأن يكون { عَلَىٰ هُدًى } راجعاً لقوله تعالى: { إِنَاْ } و { فِى ضَلَـٰلٍ } راجعاً لقوله سبحانه { إِيَّاكُمْ } فإن العقل يحكم بذلك كما في قول أمرى القيس:

كأن قلوب الطير رطباً ويابساً لدي وكرهاً للعناب والحشف البالي

ولا يخفى بعده، وأياً ما كان فليس هذا من باب التقية في شيء كما يزعمه بعض الجهلة، والظاهر أن { لَّعَـلّى هُدًى } الخ خبر { إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ } من غير تقدير حذف إذ المعنى إن أحدنا لمتصف بأحد الأمرين كقولك زيد أو عمرو في السوق أو في البيت، وقيل: هو خبر { إِنَاْ } وخبر { إِيَّاكُمْ } محذوف تقديره لعلى هدى أو في ضلال مبين، وقيل: هو خبر { إِيَّاكُمْ } وخبر { إِنَاْ } محذوف لدلالة ما ذكر عليه، و { إِيَّاكُمْ } على تقدير إن ولكنها لما حذفت انفصل الضمير. وفي «البحر» لا حاجة إلى تقدير الحذف في مثل هذا وإنما يحتاج إليه في نحو زيد أو عمرو قائم فتدبر.

والمتبادر أن { مُّبِينٌ } صفة { ضَلَـٰلٍ } ويجوز أن يكون وصفاً له ولهدى والوصف وكذا الضمير يلزم إفراده بعد المعطوف بأو، وأدخل { على } على الهدى للدلالة على استعلاء صاحبه وتمكنه واطلاعه على ما يريد كالواقف على مكان عال أو الراكب على جواد يركضه حيث شاء، و { فِى } على الضلال للدلالة على انغماس صاحبه في ظلام حتى كأنه في مهواة مظلمة لا يدري / أين يتوجه ففي الكلام استعارة مكنية أو تبعية. وفي قراءة أبـي { وَإِنا أو إياكم إما على هدى أو في ضلال مبين }.