خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ
١٤
-فاطر

روح المعاني

{ إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ } استئناف مقرر لما قبله كاشف عن جلية حال ما يدعونه بأنه جماد ليس من شأنه السماع، هذا إذا كان الكلام مع عبدة الأصنام ويحتمل أن يكون مع عبدتها وعبدة الملائكة وعيسى وغيرهم من المقربين، وعدم السماع حينئذ إما لأن المعبود ليس من شأنه ذلك كالأصنام وإما لأنه في شغل شاغل وبعد بعيد عن عابده كعيسى عليه السلام، وروي هذا عن البلخي أو لأن الله عز وجل حفظ سمعه من أن يصل إليه مثل هذا الدعاء لغاية قبحه وثقله على سمع من هو في غاية العبودية لله سبحانه، فلا يرد أن الملائكة عليهم السلام يسمعون وهم في السماء كما ورد في بعض الآثار دعاء المؤمنين ربهم سبحانه؛ وفي نظم ذوي النفوس القدسية في سلك الملائكة عليهم السلام من حيثية السماع وهم في مقار نعيمهم توقف عندي بل في سماع كل من الملائكة عليهم السلام وهم في السماء وذوي النفوس القدسية وهم في مقار نعيمهم نداء من ناداهم غير معتقد فيهم الإلهية توقف عندي أيضاً إذ لم أظفر بدليل سمعي على ذلك والعقل يجوزه لكن لا يكتفي بمجرد تجويزه في القول به.

{ وَلَوْ سَمِعُواْ } على سبيل الفرض والتقدير { مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ } لأنهم لم يرزقوا قوة التكلم والسماعُ لا يستلزم ذلك فالمراد بالاستجابة الاستجابة بالقول، ويجوز أن يراد بها الاستجابة بالفعل أي ولو سمعوا ما نفعوكم لعجزهم عن الأفعال بالمرة، هذا إذا كان المدعوون الأصنام وأما إذا كانوا الملائكة عليهم السلام أو نحوهم من المقربين فعدم الاستجابة القولية لأن دعاءهم من حيث زعم أنهم آلهة وهم بمعزل عن الإلهية فكيف يجيبون زاعم ذلك فيهم وفيه من التهمة ما فيه، وعدم الاستجابة الفعلية يحتمل أن يكون لهذا أيضاً ويحتمل أن يكون لأن نفع من دعاهم ليس من وظائفهم، وقيل لأنهم يرون ذلك نقصاً في العبودية والخضوع لله عز وجل. ويجوز أن يكون هذا تعليلاً للأول أيضاً فتأمل.

{ وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ } فضلاً عن أن يستجيبوا لكم إذا دعوتموهم، وشرك مصدر مضاف إلى الفاعل أي ويوم القيامة يجحدون إشراككم إياهم / وعبادتكم إياهم وذلك بأن يقدر الله تعالى الأصنام على الكلام فيقولون لهم ما كنتم إيانا تعبدون أو يظهر من حالها ظهور نار القرى ليلاً على علم ما يدل على ذلك ولسان الحال أفصح من لسان المقال، ومن هذا القبيل قول ذي الرمة:

وقفت على ربع لمية ناطق يخاطبني أثاره وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه تكلمني أحجاره وملاعبه

وإن كان المدعوون الملائكة ونحوهم فأمر التكلم ظاهر، وقد حكى الله تعالى قول الملائكة للمشركين في السورة السابقة بقوله سبحانه: { { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَـٰئِكَةِ أَهَـؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ * قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } [سبأ:0 4-41].

{ وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } أي لا يخبرك بالأمر مخبر مثل مخبر خبير أخبرك به يعني به تعالى نفسه كما روي عن قتادة وغيره فإنه سبحانه الخبير بكنه الأمور، وهو خطاب للنبـي صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون غير مختص أي لا يخبرك أيها السامع كائناً من كنت مخبر هو مثل الخبير العالم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، والمراد تحقيق ما أخبر سبحانه به من حال آلهتهم ونفي ما يدعون لهم من الإلهية. وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون ذلك من تمام ذكر الأصنام كأنه قيل: ولا يخبرك مخبر مثل من يخبرك عن نفسه وهي قد أخبرت عن أنفسها بأنها ليست بآلهة، وفيه من البعد ما فيه.