خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ
١٠٤
قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
١٠٥
-الصافات

روح المعاني

{ وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ } قيل ناداه من خلفه ملك من قبله تعالى بذلك. و { ءانٍ } مفسرة بمعنى أي وقرأ زيد بن علي (قد صدقت) بحذفها، وقرىء { صدقت } بالتخفيف، وقرأ فياض { الريا } بكسر الراء والإدغام، وتصديقه عليه السلام الرؤيا توفيته حقها من العمل وبذل وسعه في إيقاعها وذلك بالعزم والإتيان بالمقدمات ولا يلزم فيه وقوع ما رآه بعينه، وقيل هو إيقاع تأويلها وتأويلها ما وقع، ويفهم من كلام الإمام أنه الاعتراف بوجوب العمل بها، ولا يدل على الإتيان بكل ما رآه في المنام.

وهل أمر عليه السلام الشفرة على حلقه أم لا؟ قولان ذهب إلى الثاني منهما كثير من الأجلة، وقد أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس أنه عليه السلام لما أخذ الشفرة وأراد أن يذبحه نودي من خلفه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، وأخرج هو وابن جرير وابن أبـي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في «شعب الإيمان» عنه أنه عالج قميصه ليخلعه فنودي بذلك. وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه من طريق مجاهد عنه أيضاً فلما أدخل يده ليذبحه فلم يحمل المدية حتى نودي/ أن يا أبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده، وأخرج عبد بن حميد وغيره عن مجاهد فلما أدخل يده ليذبحه نودي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده ورفع رأسه فرأى الكبش ينحط إليه حتى وقع عليه فذبحه، وفي رواية أخرى عنه أخرجها عبد بن حميد أيضاً وابن المنذر أنه أمر السكين فانقلبت.

وإلى عدم الإمرار ذهبت اليهود أيضاً لما في توراتهم مد إبراهيم يده فأخذ السكين فقال له ملأك الله من السماء قائلاً: يا إبراهيم يا إبراهيم قال: لبيك قال: لا تمد يدك إلى الغلام ولا تصنع به شيئاً. وذهب إلى الأول طائفة فمنهم من قال: إنه أمرها ولم تقطع مع عدم المانع لأن القطع بخلق الله تعالى فيها أو عندها عادة وقد لا يخلق سبحانه، ومنهم من قال: أنه أمرها ولم تقطع لمانع، فقد أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن عطاء بن يسار أنه عليه السلام قام إليه بالشفرة فبرك عليه فجعل الله تعالى ما بين لبته إلى منحره نحاساً لا تؤثر فيه الشفرة، وأخرج ابن جرير وابن أبـي حاتم عن السدي أنه عليه السلام جر السكين على حلقه فلم ينحر وضرب الله تعالى على حلقه صفيحة من نحاس، وأخرج الخطيب في "تالي التلخيص" عن فضيل بن عياض قال: أضجعه ووضع الشفرة فقلبها جبريل عليه السلام، وأخرج الحاكم بسند فيه الواقدي عن عطاء أنه نحر في حلقه فإذا هو قد نحر في نحاس فشحذ الشفرة مرتين أو ثلاثاً بالحجر، وضعف جميع ذلك. وقيل إنه عليه السلام ذبح لكن كان كلما قطع موضعاً من الحلق أوصله الله تعالى، وزعموا ورود ذلك في بعض الأخبار ولا يكاد يصح، وسيأتي قريباً إن شاء الله تعالى ما يتعلق بهذا المقام من الكلام.

وجواب (لما) محذوف مقدر بعد { صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَا } أي كان ما كان مما تنطق به الحال ولا يحيط به المقال من استبشارهما وشكرهما الله تعالى على ما أنعم عليهما من دفع البلاء بعد حلوله والتوفيق لما لم يوفق غيرهما لمثله وإظهار فضلهما مع إحراز الثواب العظيم إلى غير ذلك؛ وهو أولى من تقدير فإذا ونحوه، وقدره بعض البصريين بعد { { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } [الصافات: 103] أي أجزلنا أجرهما، وعن الخليل وسيبويه تقديره قبل { وَتَلَّهُ } قال في «البحر»: والتقدير فلما أسلما أسلما وتله، وقال ابن عطية: وهو عندهم كقول امرىء القيس:

فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى

أي أجزنا وانتحى، وهو كما ترى، وقال الكوفيون: الجواب مثبت وهو { وَنَـٰدَيْنَـٰهُ } على زيادة الواو، وقالت فرقة: هو و { تله } على زيادتها أيضاً، ولعل الأولى ما تقدم.

وقوله تعالى: { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } ابتداء كلام غير داخل في النداء وهو تعليل لإفراج تلك الشدة المفهوم من الجواب المقدر أو من الجواب المذكور أعني نادينا الخ على القول بأنه الجواب أو منه وإن لم يكن الجواب والعلة في المعنى إحسانهما، وكونه تعليلاً لما انطوى عليه الجواب من الشكر ليس بشيء.