خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ
١٦٤
-الصافات

روح المعاني

حكاية لاعتراف الملائكة بالعبودية للرد على من يزعم فيهم خلافها فهو من كلامه تعالى لكنه حكى بلفظهم وأصله وما منهم إلا الخ أي وما منا إلا له مقام معلوم في العبادة والانتهاء إلى أمر الله تعالى في تدبير العالم مقصور عليه لا يتجاوزه ولا يستطيع أن يزل عنه خضوعاً لعظمته تعالى وخشوعاً لهيبته سبحانه وتواضعاً لجلاله جل شأنه كما روي "فمنهم راكع لا يقيم صلبه وساجد لا يرفع رأسه" وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن ماجه وابن مردويه عن أبـي ذر قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون إن السماء أطت وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك واضعاً جبهته ساجداً لله"

. وأخرج ابن جرير وابن أبـي حاتم وأبو الشيخ ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما في السماء موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قائم وذلك قول الملائكة { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ } " وعن السدي { إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } في القرب والمشاهدة، وجعل بعضهم ذلك من كلام الجنة بمعنى الملائكة متصلاً بما قبله من كلامهم وهو من قوله تعالى: { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } إلى { ٱلْمُسَبّحُونَ } [الصافات: 159-166] فقال بعد أن فسر الجنة بالملائكة: إن { سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } حكاية/ لتنزيه الملائكة إياه تعالى عما وصفه المشركون به بعد تكذيبهم لهم في ذلك بتقدير قول معطوف على { { عَلِمَتِ } [الصافات: 158] و { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } [الصافات: 160] شهادة منهم ببراءة المخلصين من أن يصفوه تعالى بذلك متضمنة لتبرئتهم منه بحكم اندراجهم في زمرة المخلصين على أبلغ وجه وآكده على أنه استثناء منقطع من واو { يَصِفُونَ } كأنه قيل: ولقد علمت الملائكة أن المشركين لمعذبون لقولهم ذلك وقالوا سبحان الله عما يصفون لكن عباد الله الذين نحن من جملتهم برآء من ذلك الوصف.

و { فَإِنَّكُمْ } الخ تعليل وتحقيق لبراءة المخلصين عما ذكر ببيان عجزهم عن إغوائهم وإضلالهم. والالتفات إلى الخطاب لإظهار كمال الاعتناء بتحقيق مضمون الكلام وما تعبدون الشياطين الذين أغووهم وفيه إيذان بتبريهم عنهم وعن عبادتهم كقولهم: { بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ } [سبأ: 41] وقولهم: { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ } الخ تبيين لجلية أمرهم وتعيين لحيزهم في موقف العبودية بعد ما ذكر من تكذيب الكفرة فيما قالوا وتنزيه الله تعالى عن ذلك وتبرئة المخلصين عنه وإظهار لقصور شأنهم وجعل تفسير الجنة بالملائكة هو الوجه لاقتضاء ربط الآيات وتوجيهها بما ذكر إياه وفي التعليل شيء.

نعم إن هذه الآية تقوي قول من يقول: المراد بالجنة فيما سبق الملائكة عليهم السلام تقوية ظاهرة جداً وإن الربط الذي ذكر في غاية الحسن، وقيل: هو من قول الرسول عليه الصلاة والسلام أي وما من المسلمين إلا له مقام معلوم على قدر أعماله يوم القيامة وهو متصل بقوله: { { فَٱسْتَفْتِهِمْ } [الصافات: 149] كأنه قيل فاستفتهم وقال وما منا الخ على معنى بكتهم بذلك وانع عليهم كفرانهم وعدد ما أنت وأصحابك متصف به من أضدادها، وإن شئت لم تقدر قل بعد علمك بأن المعنى ينساق إليه وهو بعيد فافهم والله تعالى أعلم.

و { مِنَّا } خبر مقدم والمبتدأ محذوف للاكتفاء بصفته وهي جملة { له مقام } أي ما منا أحد إلا له مقام معلوم. وحَذْفُ الموصوف بجملة أو شبهها إذا كان بعض ما قبله من مجرور بمن أو في مطرد وهذا اختيار الزمخشري. وقال أبو حيان { مِنَّا } صفة لمبتدأ محذوف والجملة المذكورة هي الخبر أي وما أحد كائن منا إلا له مقام معلوم. وتعقب ما مر بأنه لا ينعقد كلام من ما منا أحد، وقوله سبحانه: { إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } هو محط الفائدة فيكون هو الخبر وإن تخيل أن إلا بمعنى غير وهي صفة لا يصح لأنه لا يجوز حذف موصوفها وفارقت غيراً إذا كانت صفة في ذلك لتمكن غير في الوصف وقلة تمكن إلا فيه، وقال غيره: إن فيه أيضاً التفريغ في الصفات وهم منعوا ذلك، ودفع بأنه ينعقد منه كلام مفيد مناسب للمقام إذ معناه ما منا أحد متصف بشيء من الصفات إلا بصفة أن يكون له مقام معلوم لا يتجاوزه، والمقصود بالحصر المبالغة أو يقال إنه صفة بدل محذوف أي ما منا أحد إلا أحد له مقام معلوم كما قاله ابن مالك في نظيره، وفيه أن فيه اعترافاً بأن المقصود بالإفادة تلك الجملة وهو يستلزم أولوية كونها خبراً وما ذكر من احتمال كونه صفة لبدل محذوف فليس بشيء لأن فيه حذف المبدل والمبدل منه ولا نظير له، وبالجملة ما ذكره أبو حيان أسلم من القيل والقال، نعم قيل يجوز أن يقال: القصد هنا ليس إفادة مضمون الخبر بل الرد على الكفرة ولذا جعل الظرف خبراً وقدم فالمعنى ليس منا أحد يتجاوز مقام العبودية لغيرها بخلافكم أنتم فقد صدر منكم ما أخرجكم عن رتبة الطاعة، وفيه نظر.