خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً
١٣٧
-النساء

روح المعاني

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } هم قوم تكرر منهم الارتداد وأصروا على الكفر وازدادوا تمادياً في الغي، وعن مجاهد وابن زيد أنهم أناس منافقون أظهروا الإيمان ثم ارتدوا ثم أظهروا ثم ارتدوا ثم ماتوا على كفرهم، وجعلها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عامة لكل منافق في عهده صلى الله عليه وسلم في البر والبحر، وعن الحسن أنهم طائفة من / أهل الكتاب أرادوا تشكيك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يظهرون الإيمان بحضرتهم، ثم يقولون قد عرضت لنا شبهة فيكفرون ثم يظهرون ثم يقولون: قد عرضت لنا شبهة أخرى فيكفرون، ويستمرون على الكفر إلى الموت، وذلك معنى قوله تعالى: { { وَقَالَت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ ءامِنُواْ بِٱلَّذِي أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُواْ ءاخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [آل عمران: 72]، وقيل: هم اليهود آمنوا بموسى عليه السلام، ثم كفروا بعبادتهم العجل حين غاب عنهم، ثم آمنوا عند عوده إليهم، ثم كفروا بعيسى عليه السلام، ثم ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم، وروي ذلك عن قتادة، وقال الزجاج والفراء: إنهم آمنوا بموسى عليه السلام، ثم كفروا بعده، ثم آمنوا بعزير، ثم كفروا بعيسى عليه السلام، ثم ازدادوا كفراً بنبينا عليه الصلاة والسلام، وأورد على ذلك بأن الذين ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم ليسوا بمؤمنين بموسى عليه السلام، ثم كافرين بعبادة العجل أو بشيء آخر، ثم مؤمنين بعوده إليهم أو بعزير، ثم كافرين بعيسى عليه السلام بل هم إما مؤمنون بموسى عليه السلام وغيره، أو كفار لكفرهم بعيسى عليه السلام والإنجيل. وأجيب بأنه لم يرد على هذا قوم بأعيانهم بل الجنس، ويحصل التبكيت على اليهود الموجودين باعتبار عد ما صدر من بعضهم كأنه صدر من كلهم، والذي يميل القلب إليه أن المراد قوم تكرر منهم الارتداد أعم من أن يكونوا منافقين أو غيرهم، ويؤيده ما أخرجه ابن جرير وابن أبـي حاتم عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال في المرتد: إن كنت لمستتيبه ثلاثاً، ثم قرأ هذه الآية وإلى رأي الإمام كرم الله تعالى وجهه ذهب بعض الأئمة فقال: يقتل المرتد في الرابعة ولا يستتاب، وكأنه أراد أنه لا فائدة في الإستتابة إذ لا منفعة.

وعليه فالمراد من قوله سبحانه: { لَّمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً } أنه سبحانه لا يفعل ذلك أصلاً وإن تابوا، وعلى القول المشهور الذي عليه الجمهور: المراد من نفي المغفرة والهداية نفي ما يقتضيهما وهو الإيمان الخالص الثابت ومعنى نفيه استبعاد وقوعه فإن من تكرر منهم الإرتداد وازدياد الكفر والإصرار عليه صاروا بحيث قد ضربت قلوبهم بالكفر وتمرنت على الردة وكان الإيمان عندهم أدون شيء وأهونه فلا يكادون يقربون منه قيد شبر ليتأهلوا للمغفرة وهداية سبيل الجنة لا أنهم لو أخلصوا الإيمان لم يقبل منهم ولم يغفر لهم. وخص بعضهم عدم الاستتابة بالمتلاعب المستخف إذا قامت قرينة على ذلك، وخبر كان في أمثال هذا الموضع محذوف وبه تتعلق اللام كما ذهب إليه البصريون أي ما كان الله تعالى مريداً للغفران لهم، ونفي إرادة الفعل أبلغ من نفيه. وذهب الكوفيون إلى أن اللام زائدة والخير هو الفعل. وضعف بأن ما بعدها قد انتصب فإن كان النصب باللام نفسها فليست بزائدة، وإن كان ـ بأن ـ ففاسد لما فيه من الإخبار بالمصدر عن الذات. وأجيب باختيار الشق الأول وأنه لا مانع من العمل مع الزيادة كما في حروف الجر الزائدة، وباختيار الشق الثاني وامتناع الإخبار بالمصدر عن الذات لعدم كونه دالاً بصيغته على فاعل وعلى زمان دون زمان، والفعل المصدر ـ بأن ـ يدل عليهما فيجوز الإخبار به ـ وإن لم يجز بالمصدر ـ ولا يخفى ما فيه، فإن الإخبار على هذا بالفعل لا بالمصدر وإن أوّل المصدر باسم الفاعل كان الإخبار باسم الفاعل لا به أيضاً فافهم. واختار قوم في القوم ما ذهب إليه مجاهد وأيد ذلك بقوله تعالى: { بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }.