خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً
٩١
-النساء

روح المعاني

{ سَتَجِدُونَ ءاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ } هم أناس كانوا يأتون النبـي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا نبـي الله تعالى صلى الله عليه وسلم ويأمنوا قومهم فأبـى الله تعالى ذلك عليهم ـ قاله ابن عباس ومجاهد ـ وقيل: الآية في حق المنافقين { كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ } أي دعوا إلى الشرك ـ كما روي عن السدي ـ وقيل: إلى قتال المسلمين { أُرْكِسُواْ فِيِهَا } أي قلبوا فيها أقبح قلب وأشنعه، يروى عن ابن عباس أنه كان الرجل يقول له قومه: بماذا آمنت؟ فيقول: آمنت بهذا القرد والعقرب والخنفساء { فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ } بالكف عن التعرض لكم بوجه مّا { وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ } أي ولم يلقوا إليكم الصلح والمهادنة { وَيَكُفُّواْ أَيْدِيَهُمْ } أي ولم يكفوا أنفسهم عن قتالكم.

{ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ } أي وجدتموهم وأصبتموهم حيث تمكنتم منهم، وعن بعض المحققين إن هذه الآية مقابلة للآية الأولى، وبينهما تقابل إما بالإيجاب والسلب، وإما بالعدم والملكة لأن إحداهما عدمية والأخرى وجودية وليس بينهما تقابل التضاد ولا تقابل التضايف لأنهما على ما قرروا لا يوجدان إلا بين أمرين وجوديين فقوله سبحانه: { فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ } مقابل لقوله تعالى: { { فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ } [النساء: 90] وقوله جل وعلا: { وَيُلْقُواْ } مقابل لقوله عز شأنه: { { وَأَلْقَوْاْ } [النساء: 90] وقوله جل جلاله: { وَيَكُفُّواْ } مقابل لقوله عز من قائل: { { فَلَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ } [النساء: 90] والواو لا تقتضي الترتيب، فالمقدم مركب من ثلاثة أجزاء في الآيتين، وهي في الآية الأولى الاعتزال وعدم القتال وإلقاء السلم فبهذه الأجزاء الثلاثة تم الشرط، وجزاؤه عدم التعرض لهم بالأخذ والقتل كما يشير إليه قوله تعالى: { { فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } [النساء: 90] وفي الآية الثانية عدم الاعتزال وعدم إلقاء السلم وعدم الكف عن القتال، فبهذه الأجزاء الثلاثة تم الشرط، وجزاؤه الأخذ والقتل المصرح به بقوله سبحانه: { فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ }. ومن هذا يعلم أن { وَيَكُفُّواْ } بمعنى لم يكفوا عطف على المنفي لا على النفي بقرينة سقوط النون الذي هو علامة الجزم، وعطفه على النفي والجزم بأن الشرطية لا يصح لأنه يستلزم التناقض لأن معنى { فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ } إن لم / يكفوا، وإذا عطف { وَيَكُفُّواْ } على النفي يلزم اجتماع عدم الكف والكف، وكلام الله تعالى منزه عنه، وكذا لا يصح كون قوله سبحانه: { وَيَكُفُّواْ } جملة حالية أو استئنافية بيانية أو نحوية لاستلزام كل منهما التناقض مع أنه يقتضي ثبوت النون في { يكفوا } على ما هو المعهود في مثله، وأبو حيان جعل الجزاء في الأول: مرتباً على شيئين وفي الثانية: على ثلاثة، والسر في ذلك الإشارة إلى مزيد خباثة هؤلاء الآخرين، وكلام العلامة البيضاوي ـ بيض الله تعالى غرة أحواله ـ في هذا المقام لا يخلو عن تعقيد، وربما لا يوجد له محمل صحيح إلا بعد عناية وتكلف فتأمل جداً { وَأُوْلَٰـئِكُمْ } الموصوفون بما ذكر من الصفات الشنيعة. { جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰناً مُّبِيناً } أي حجة واضحة فيما أمرناكم به في حقهم لظهور عداوتهم ووضوح كفرهم وخباثتهم، أو تسلطاً لا خفاء فيه من حيث أذنا لكم في أخذهم وقتلهم.