خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَٱلْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
٢٦
-الشورى

روح المعاني

{ وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } عطف على { { يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ } [الشورى: 25] فالفاعل ضميره تعالى و { ٱلَّذِينَ } مفعول بدون تقدير شيء بناءً على أن { يَسْتَجِيبُ } يتعدى بنفسه كما يتعدى باللام نحو شكرته وشكرت له أو بتقدير اللام على أنه من باب الحذف والإيصال والأصل يستجيب للذين آمنوا بناءً على أنه يتعدى للداعي باللام وللدعاء بنفسه ونحو هذا قوله:

وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب

وأجاب واستجاب بمعنى أي ويجيب الله تعالى الذين آمنوا إذا دعوا وحاصله يجيب دعاءهم، وجوز بعضهم أن يكون الكلام بتقدير هذا المضاف قيل: وهو أولى من القول بإيصال الفعل بحذف الصلة لأن حذف المضاف إذا لم يلبس منقاس وذاك مسموع. ويجوز أن يكون المراد يثيبهم على طاعتهم فإن الطاعة لكونها طلب ما يترتب عليها من الثواب شابهت الدعاء وشابهت الإثابة عليها الإجابة، ومن هذا يسمى الثناء دعاء لأنه يترتب عليه ما يترتب عليه، وسئل سفيان عن قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: "أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" فقال: هذا كقوله تعالى في الحديث القدسي: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" ألا ترى قول أمية بن الصلت لابن جدعان حين أتاه يبغي نائله:

أأذكر حاجتي أم قد كفاني ثناؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوم كفاه عن تعرضك الثناء

وجعلوا من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الدعاء الحمد لله" على معنى أن الحمد يدل على الدعاء والسؤال بطريق الكناية والتعريض، وقيل: هو على إطلاق الدعاء على الحمد لشبهه به في طلب ما يترتب عليه، وجوز أن يراد بالإجابة معناها الحقيقي والإثابة بناءً على القول بصحة الجمع بين الحقيقة والمجاز أي يجيب دعاءهم ويثيبهم على الطاعة.

{ وَيَزِيدُهُمْ } على ما سألوا واستحقوا { مِن فَضْلِهِ } الواسع جل شأنه، وقيل: إن فاعل ويستجيب { ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } واستظهره أبو حيان، والجملة عطف على مجموع قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ } [الشورى: 25] الخ أي ينقادون لله تعالى ويجيبونه سبحانه إذا دعاهم، وهو المروي عن ابن جبير، وعن إبراهيم بن أدهم أنه قيل له: ما لنا ندعو فلا نجاب؟ فقال: لأنه سبحانه دعاكم فلم تجيبوه ثم قرأ { { وَٱللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } [يونس: 25] { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } وهذا يؤكد هذا الوجه لأنه قدس سره ذكر أن الله تعالى دعاكم بقوله عز وجل: { وَٱللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } وذكر أن المؤمن من استجاب دعوة ربه تعالى بقوله: { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } فمن لا يجيب دعاءه تعالى لا يجيب تعالى أيضاً دعاءه، وكون الفاعل ضميره تعالى قد روي ما يقتضيه عن ابن عباس ومعاذ بن جبل { وَيَزِيدُهُمْ } عليه عطف على ما قبله وعلى الوجه الآخر عطف على مقدر أي فيوفيهم أجورهم ويزيدهم عليها على أسلوب { { وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا } [النمل: 15] وقوله سبحانه: { مِن فَضْلِهِ } متعلق بيزيدهم مطلقاً، وجوز تعليقه بالفعلين على التنازع فإن الإجابة والثواب فضل منه تعالى كالزيادة. وأياً ما كان فالظاهر عموم { ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } وروي عن سعيد بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة واستحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها: نأتي رسول الله عليه الصلاة والسلام ونقول له: إن تعرك أمور فهذه أموالنا تحكم فيها فنزلت { { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } [الشورى: 23] فقرأها عليهم، وقال تودون قرابتي من بعدي فخرجوا مسلمين فقال المنافقون: إن هذا لشيء افتراه في مجلسه أراد بذلك عز قرابته من بعده فنزلت { { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } [الشورى: 24] فأرسل إليهم فتلاها عليهم فبكوا وندموا فأنزل الله تعالى: { { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } [الشورى: 25] فأرسل صلى الله عليه وسلم إليهم فبشرهم وقال: { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } وهم الذين سلموا لقوله ذكر ذلك الطبرسي، وذكر قريباً منه في «الدر المنثور» لكن قال: أخرجه الطبراني في «الأوسط» وابن مردويه عن ابن جبير بسند ضعيف، والذي يغلب على الظن الوضع.

{ وَٱلْكَـٰفِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } بدل ما للمؤمنين من الإجابة والتفضل.