خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ
٣٥
-الشورى

روح المعاني

أي من مهرب ومخلص من العذاب على ذلك، وجعلوا الجزاء بمنزلة الإنشاء كالاستفهام فكأنه تقدم أحد الأمور الستة ولم يرتض ذلك الزمخشري وقال: فيه نظر لما أورده سيبويه في «الكتاب» قال: واعلم أن النصب بالفاء والواو في قوله: إن تأتني آتك وأعطيك ضعيف وهو نحو من قوله:

وأَلْحَقُ بالحجاز فأستريحا

فهذا تجوز ولا بحد الكلام ولا وجهه إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلاً لأنه ليس بواجب أنه يفعل إلا أن يكون من الأول فعل فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعف [انتهى]، ولا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحد الكلام ولا وجهه ولو كانت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها «كتابه» وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة انتهى.

وخرج هو النصب في { يَعْلَمْ } على العطف على علة مقدرة قال: أي لينتقم منهم ويعلم الذين الخ، وكم من نظير له في القرآن العظيم إلا أن ذلك مع وجود حرف التعليل كقوله تعالى: { { وَلِنَجْعَلَهُ ءايَةً لّلْنَّاسِ } [مريم: 21] وقوله سبحانه: { { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [الجاثية: 22].

وقال أبو حيان: يبعد هذا التقدير أنه ترتب على الشرط إهلاك قوم ونجاة قوم فلا يحسن لينتقم منهم. وأجيب بأن الآية مخصوصة بالمجرمين فالمقصود الهلاك ويجوز أن يقدر ليظهر عظيم قدرته تعالى ويعلم الذين يجادلون فلا يرد عليه ما ذكر ويحسن ذلك التقدير في توجيه النصب في { يَعْفُوَ } على ما روي عن أهل المدينة إذا خدش التوجيه السابق بما نقل عن سيبويه فيقال: إنه عطف على تعليل مقدر أي لينتقم منهم ويعفو عن كثير، وقراءة النصب في { يَعْلَمْ } هي التي قرأ بها أكثر السبعة.

وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر والأعرج وشيبة وزيد بن علي بالرفع، وقرر في «الكشف» وجهه بأنه على عطف { يَعْلَمْ } على مجموع الجملة الشرطية على معنى ومن آياته الدالة على كمال القدرة السفن في البحر ثم ذكر وجه الدلالة وأنها مسخرة تحت أمره سبحانه تارة بتضمن نفع من فيها وتارة بالعكس ثم قال جل وعلا ويعلم الذين يعاندون ولا يعترفون بآيات الله تعالى الباهرة بدل قوله سبحانه فيها بالضمير الراجع إلى الآية المبحوث عنها شهادة بأنها من آيات الله تعالى وزيادة للتحذير وذم الجدال فيها وليكون على أسلوب الكناية على نحو العرب لا تحفر الذمم فكأنه لما قيل: { { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرّيحَ } [الشورى: 33] وذكر سبب الدلالة صار في معنى يعلمها ويعترف بها المتدبرون في آياتنا المسترشدون ويعلم المجادلون فيها المنكرون ما لهم من محيص، وجاز أن يجعل عطفاً على قوله تعالى: { { وَمِنْ ءايَـٰتِهِ ٱلْجَوَارِ } [الشورى: 32] وتجعل هذه وحدها آيات لتضمنها وجوهاً من الدلالة أقميت مقام المضمر، والمعنى ومن آياته الجوار ويعلم المجادلون فيها، واعترض بين المعطوف والمعطوف عليه ببيان وجه الدلالة ليدل على موجب وعيد المجادل وعلى كونها آية بل آيات، ونقل عن ابن الحاجب أنه يجوز أن يكون الرفع بالعطف على موضع الجزاء المتقدم باعتبار كونه جملة لا باعتبار عطف مجرد الفعل ليجب الجزم فتكون الجملتان مشتركتين في المسببية، وفيه بحث يعلم مما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وقرىء { وَيَعْلَمَ } بالجزم. وخرج على العطف على { يَعْفُ } [الشورى: 34] وتسببه عن الشرط باعتبار تضمن الإخبار عن علم المجادلين بما يحل بهم في / المستقبل الوعيد والتحذير كما قيل:

سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار

ومرجع المعنى على ذلك أنه تعالى إن يشأ يعصف الريح فيغرق بعضاً وينج آخرين عفواً ويحذر جماعة أخرى. واعترض بأن التخصيص بالمجادلين في هذا التحذير غير لائح، وأيضاً علمهم بأن لا محيص من عذاب الله تعالى على تقدير عصف الريح بأهل السفن على سبيل العبرة ولا اختصاص لها بهم ولا بهذا المقدور خاصة.

وأجيب عن الأول بأن التخصيص بالمجادلين لأنهم أولى بالتحذير، وعن الأخير بأنه أريد أن البر والبحر لا ينجيان من بأسه عز وجل فهو تعميم. واختار في «الكشف» كون التخريج على أن الآية في الكافرين بمعنى إن يشأ يعصف الريح فيغرق بعضهم وينج آخرين منهم عفواً ويعلموا ما لهم من محيص فلا يغتروا بالنجاة والعفو في هذه المرة، فالمجادلون هم الكثير الناجون أو بعضهم وهو على منوال قوله تعالى: { { أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ } [الإسراء: 69] الآية، ومن مجموع ما سمعت يلوح لك ضعف هذه القراءة ولهذا لم يقرأ بها في السبعة.

والظاهر على القراءات الثلاث أن فاعل { يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ } وجملة { مَا لَهُمْ مّن مَّحِيصٍ } سادة مسد المفعولين. وفي «الدر المصون» أن الجملة في قراءة الرفع تحتمل الفعلية وتحتمل الاسمية أي وهو يعلم الذين، ولا يخفى أن الظاهر على الاحتمال الثاني كون «الذين» مفعولاً أولاً والجملة مفعولاً ثانياً والفاعل ضمير تعالى المستتر، وأوجب بعضهم هذا على قراءة الجزم وعطف «يعلم» على «يعف» لئلا يخرج الكلام عن الانتظام ويظهر قصد التحذير لشيوع أن علم الله تعالى يكون كناية عن المجازاة وهو كما ترى.