خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
٣٨
-الشورى

روح المعاني

{ وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلوٰةَ } قيل: نزلت في الأنصار دعاهم الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم للإيمان به وطاعته سبحانه فاستجابوا له فأثنى عليهم جل وعلا بما أثنى، وعليه فهو من ذكر الخاص بعد العام لبيان شرفه لإيمانهم دون تردد وتلعثم، والآية إن كانت مدنية فالأمر ظاهر وإذا كانت مكية فالمراد بالأنصار من آمن بالمدينة قبل الهجرة أو المراد بهم أصحاب العقبة { وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ } أي ذو شورى ومراجعة في الآراء بينهم بناء على أن الشورى مصدر كالبشرى فلا يصح الإخبار لأن الأمر متشاور فيه لا مشاورة إلا إذا قصد المبالغة، وأورد أنه يقال من غير تأويل شأني الكرم والأمر هنا بمعنى الشأن، نعم إذا حمل على القضايا المتشاور فيها احتاج إلى التأويل أو قصد المبالغة، وقيل: إن إضافة المصدر للمعوم فلا يصح الإخبار إلا بالتأويل ورد بأن المراد أمرهم فيما يتشاور فيه لا جميع أمورهم وفيه نظر. وقال الراغب: المشورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض من قولهم: شرت العسل وأشرته استخرجته والشورى الأمر الذي يتشاور فيه انتهى، والمشهور كونه مصدراً، وجيء بالجملة اسمية مع أن المعطوف عليه جملة فعلية للدلالة على أن التشاور كان حالهم المستمرة قبل الإسلام وبعده.

وفي الآية مدح للتشاور لا سيما على القول بأن فيها الإخبار بالمصدر، وقد أخرج البيهقي في «شعب الإيمان» عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: "من أراد أمراً فشاور فيه وقضى هدي لأرشد الأمور" ، وأخرج عبد بن حميد والبخاري في «الأدب» وابن المنذر عن الحسن قال: ما تشاور قوم قط إلا هدوا وأرشد أمرهم ثم تلا { وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ }.

وقد كانت الشورى بين النبـي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما يتعلق بمصالح الحروب، وكذا بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعده عليه الصلاة والسلام، وكانت بينهم أيضاً في الأحكام كقتال أهل الردة وميراث الجد وعدد حد الخمر وغير ذلك، والمراد بالأحكام ما لم يكن لهم فيه نص شرعي وإلا فالشورى لا معنى لها وكيف يليق بالمسلم العدول عن حكم الله عز وجل إلى آراء الرجال والله سبحانه هو الحكيم الخبير، ويؤيد ما قلنا ما أخرجه الخطيب عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: قلت يا رسول الله الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل فيه قرآن ولم يسمع منك فيه شيء قال: اجمعوا له العابد من أمتي واجعلوه بينكم شورى ولا تقضوه برأي واحد. وينبغي أن يكون المستشار عاقلاً كما ينبغي أن يكون عابداً، فقد أخرج الخطيب أيضاً عن أبـي هريرة مرفوعاً "استرشدوا العاقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا" .

والشورى على الوجه الذي ذكرناه من جملة أسباب صلاح الأرض ففي الحديث "إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم أسخياءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض / خير لكم من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأمركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها" وإذا لم تكن على ذلك الوجه كان إفسادها للدين والدنيا أكثر من إصلاحها.

{ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } أي في سبيل الخير لأنه مسوق للمدح ولا مدح بمجرد الإنفاق، ولعل فصله عن قرينة بذكر المشاورة لأن الاستجابة لله تعالى واقام الصلاة كانا من آثارها، وقيل: لوقوعها عند اجتماعهم للصلوات.