خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ
١١
-الأحقاف

روح المعاني

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } إلى آخره، وهو حكاية لبعض آخر من أقاويلهم الباطلة في حق القرآن العظيم والمؤمنين به، وفيه تحقيق لاستكبارهم أي وقال كفار مكة: { لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي لأجلهم وفي شأنهم فاللام للتعليل كما سمعت في { { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقّ } [الأحقاف: 7] وقيل: هي لام المشافهة والتبليغ والتفتوا في قولهم: { لوْ كَانَ } أي ما جاء به صلى الله عليه وسلم من القرآن، وقيل: الإيمان { خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } ولولاه لقالوا: سبقتمونا بالخطاب أو لما سمعوا أن جماعة آمنوا خاطبوا جماعة آخرى من المؤمنين أي قالوا للذين آمنوا: لو كان خيراً ما سبقنا إليه أولئك الذين بلغنا إيمانهم. وتعقب بأن هذا ليس من مواطن الالتفات، وكونهم قصدوا تحقير المؤمنين بالغيبة لا وجه له، وكون المشافهين طائفة من المؤمنين والمخبر عنهم طائفة أخرى خلاف الظاهر، فالأولى كونها للتعليل وقالوا ذلك لما رأوا أن أكثر المؤمنين كانوا فقراء ضعفاء كعمار وصهيب وبلال وكانوا يزعمون أن الخير الديني يتبع الخير الدنيوي وأنه لا يتأهل للأول إلا من كان له القدح المعلى من الثاني، ولذا قالوا: { { لَوْلاَ نُزّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] وخطؤهم في ذلك مما لا يخفى.

وأخرج ابن المنذر عن عون بن أبـي شداد قال: كانت لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمة أسلمت قبله يُقال لها زنيرة فكان رضي الله تعالى عنه يضربها على إسلامها وكان كفار قريش يقولون: لو كان خيراً ما سبقتنا إليه زنيرة فأنزل الله تعالى في شأنها { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الآية، ولعلهم لم يريدوا زنيرة بخصوصها بل من شابهها أيضاً. وفي الآية تغليب المذكر على المؤنث، وقال أبو المتوكل: أسلم أبو ذر ثم أسلمت غفار فقالت قريش ذلك، وقال الكلبـي والزجاج: قال ذلك بنو عامر بن صعصعة وغطفان وأسد وأشجع لما أسلم أسلم وجهينة ومزينة وغفار. وقال الثعلبـي: هي مقالة اليهود حين أسلم ابن سلام وأصحابه منهم، ويلزم عليه القول بأن الآية مدنية وعدها في المستثنيات أو كون { قَالَ } فيها كنادى في قوله تعالى: { { وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلأَعْرَافِ } [الأعراف: 48] وهذا كما ترى والمعول عليه ما تقدم.

{ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ } أي بالقرآن، وقيل: بالرسول صلى الله عليه وسلم، و { إِذْ } على ما اختاره جار الله ظرف لمقدر دل عليه السابق واللاحق أي وإذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم واستكبارهم، وقوله تعالى: { فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ } أي يتحقق منهم هذا القول والطعن حيناً فحيناً كما يؤذن بذلك صيغة المضارع مسبب عن العناد والاستكبار، وإذا جاز مثل حينئذ الآن - أي كان ذلك حينئذ واسمع الآن بدليل قرينة الحال - فهذا أجوز، والإشارة إلى القرآن العظيم، وقولهم ذلك فيه كقولهم: { { أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [الأنعام: 25] ولم يجوز أن يكون { فَسَيَقُولُونَ } عاملاً في الظرف لتدافع دلالتي المضي والاستقبال، وإنما لم يجعله من قبيل { { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ ٱلأَغْلَـٰلُ } [غافر:70-71] نظماً للمستقبل في سلك المقطوع كما اختاره ابن الحاجب في «الأمالي» لأن المعنى هٰهنا ـ كما في «الكشف» ـ على أن عدم الهداية محقق واقع لا أنه سيقع البتة، ألا ترى إلى قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } بعدما بين استكبارهم وعنادهم كيف ينص على / أنهم مجادلون معرضون عن القرآن وتدبره غير مهتدين ببشائره ونذره. وقال بعضهم: الظرف معمول ـ لسيقولون ـ والفاء لا تمنع عن عمل ما بعدها فيما قبلها كما ذكره الرضي، والتسبب المشعرة به عن كفرهم، و { سَيَقُولُونَ } بمعنى قالوا، والعدول إليه للإشعار بالاستمرار. وتعقب بأن ذلك مع السين بعيد، وقيل: إذ تعليلية للقول. وتعقب بأنه معلل كما آذنت به الفاء، وقدر بعضهم العامل المحذوف قالوا ما قالوا، ورجحه على التقدير السابق وليس براجح عليه كما لا يخفى على راجح.