خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
١٧
-الأحقاف

روح المعاني

{ وَٱلَّذِي قَالَ لِوٰلِدَيْهِ } عند دعوتهما إياه للإيمان { أُفّ لَّكُمَا } صوت يصدر عن المرء عند تضجره وفيه قراءات ولغات نحو الأربعين، وقد نبهنا على ذلك في سورة الإسراء. واللام لبيان المؤفف له كما في { { هَيْتَ لَكَ } [يوسف: 23] والموصول مبتدأ خبره { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } [الأحقاف: 18] والمراد به الجنس فهو في معنى الجمع، ولذا قيل: { أُوْلَـٰئِكَ } وإلى ذلك أشار الحسن بقوله: هو الكافر العاق لوالديه المنكر للبعث، ونزول الآية في شخص لا ينافي العموم كما قرر غير مرة، وزعم مروان عليه ما يستحق أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبـي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما وَرَدَّتْ عليه عائشة رضي الله تعالى عنها. أخرج ابن أبـي حاتم وابن مردويه عن عبد الله قال: إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إن الله تعالى قد أرى لأمير المؤمنين ـ يعني معاوية ـ في يزيد رأياً حسناً أن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر فقال عبد الرحمن بن أبـي بكر: أهرقلية؟ إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه واللهِ ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته ولا جعلها معاوية إلا رحمة وكرامة لولده، فقال مروان: ألست الذي قال لوالديه { أُفّ لَّكُمَا } فقال عبد الرحمن: ألست ابن اللعين الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباك فسمعت عائشة فقالت: مروان أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا كذبت والله ما فيه نزلت نزلت في فلان بن فلان.

وفي رواية تقدمت رواها جماعة وصححها الحاكم عن محمد بن زياد أنها كذبته ثلاثاً ثم قالت: والله ما هو به ـ تعني أخاها ـ ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته إلى آخر ما مر، وكان ذلك من فضض اللعنة إغاظة لعبد الرحمن وتنفيراً للناس عنه لئلا يلتفتوا إلى ما قاله وما قال إلا حقاً فأين يزيد الذي تجل اللعنة عنه وأين الخلافة؟

ووافق بعضهم كالسهيلي في «الإعلام» مروان في زعم نزولها في عبد الرحمن، وعلى تسليم ذلك لا معنى للتعيير لا سيما من مروان فإن الرجل أسلم وكان من أفاضل الصحابة وأبطالهم وكان له في الإسلام غناء يوم اليمامة وغيره والإسلام يجب ما قبله فالكافر إذا أسلم لا ينبغي أن يعير بما كان يقول.

{ أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ } ابعث من القبر بعد الموت. وقرأ الحسن وعاصم وأبو عمرو في رواية وهشام { أتعداني } بإدغام نون الرفع في نون الوقاية، وقرأ نافع في رواية وجماعة بنون واحدة، وقرأ الحسن وشيبة وأبو جعفر بخلاف عنه، وعبد الوارث عن أبـي عمرو وهارون بن موسى عن الجحدري، وبسام عن هشام { أَتَعِدَانِنِي } بنونين من غير إدغام ومع فتح الأولى كأنهم فروا من اجتماع الكسرتين والياء ففتحوا للتخفيف، وقال أبو حاتم: فتح النون باطل غلط، وقال بعضهم: فتح نون التثنية لغة رديئة وهون الأمر هنا الاجتماع، وقرأ الحسن وابن يعمر والأعمش وابن مصرف والضحاك { أَخْرَجَ } مبنياً للفاعل من الخروج.

{ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي } أي مضت ولم يخرج منها أحد ولا بعث فالمراد إنكار البعث كما قيل:

/ ما جاءنا أحد يخبر أنه في جنة لما مضى أو نار

وقال أبو سليمان الدمشقي: أراد وقد خلت القرون من قبلي مكذبة بالبعث، فالكلام كالاستدلال على نفي البعث.

{ وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ } أي يقولان: الغياث بالله تعالى منك، والمراد إنكار قوله واستعظامه كأنهما لجآ إلى الله سبحانه في دفعه كما يقال: العياذ بالله تعالى من كذا أو يطلبان من الله عز وجل أن يغيثه بالتوفيق حتى يرجع عما هو عليه من إنكار البعث { وَيْلَكَ ءامِنْ } أي قائلين أو يقولون له ذلك، وأصل { وَيْلٌ } دعاء بالثبور يقام مقام الحث على الفعل أو تركه إشعاراً بأن ما هو مرتكب له حقيق بأن يهلك مرتكبه وأن يطلب له الهلاك فإذا أسمع ذلك كان باعثاً على ترك ما هو فيه والأخذ بما ينجيه، وقيل: إن ذلك لأن فيه إشعاراً بأن الفعل الذي أمر به مما يحسد عليه فيدعى عليه بالثبور فإذا سمع ذلك رغب فيه، وأياً ما كان فالمراد هنا الحث والتحريض على الإيمان لا حقيقة الدعاء بالهلاك. { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } أي البعث، وأضافا الوعد إليه تعالى تحقيقاً للحق وتنبيهاً على خطئه في إسناد الوعد إليهما. وقرأ الأعرج وعمرو بن فائد { أَن } بفتح الهمزة على تقدير لأن أو آمن بأن وعد الله حق، ورجح الأول بأن فيه توافق القراءتين { فَيَقُولُ } مكذباً لهما { مَا هَـٰذَا } الذي تسميانه وعد الله { إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } أباطيلهم التي سطروها في الكتب من غير أن يكون لها حقيقة.