خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٤
-الأحقاف

روح المعاني

{ قُلْ } توبيخاً لهم وتبكيتاً { أَرَءيْتُمْ } أخبروني وقرىء { أرأيتكم } { مَا تَدَّعُونَ } ما تعبدون { مِن دُونِ ٱللَّهِ } من الأصنام أو جميع المعبودات الباطلة ولعله الأظهر. والموصول مفعول أول ـ لأرأيتم ـ وقوله تعالى: { أَرُونِيَ } تأكيد له فإنه بمعنى أخبروني أيضاً. وقوله تعالى: { مَاذَا خَلَقُواْ } جوز فيه أن تكون { مَا } اسم استفهام مفعولاً مقدماً ـ لخلقوا ـ و { ذَا } زائدة وأن تكون { مَاذَا } اسماً واحداً مفعولاً مقدماً أي أي شيء خلقوا وأن تكون اسم استفهام مبتدأ أو خبراً مقدماً و { ذَا } اسم موصول خبراً أو مبتدأ مؤخراً وجملة { خَلَقُواْ } صلة الموصول أي ما الذي خلقوه، وعلى الأولين جملة { خَلَقُواْ } مفعول ثان ـ لأرأيتم ـ وعلى ما بعدهما جملة { مَاذَا خَلَقُواْ } وجوز أن يكون الكلام من باب الإعمال وقد أعمل الثاني وحذف مفعول الأول واختاره أبو حيان، وقيل: يحتمل أن يكون { أَرُونِيَ } بدل اشتمال من { أَرَأيْتُمْ } وقال ابن عطية: ((يحتمل { أرأيتم } وجهين، كونها متعدية و { مَا } مفعولاً لها، وكونها منبهة لا تتعدى و { مَا } استفهامية على معنى التوبيخ))، وهذا الثاني قاله الأخفش في { { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى ٱلصَّخْرَةِ } [الكهف: 63].

وقوله تعالى: { منَ ٱلاْرْضِ } تفسير للمبهم في { مَاذَا خَلَقُواْ } قيل: والظاهر أن المراد من أجزاء الأرض وبقعها، وجوز أن يكون المراد ما على وجهها من حيوان وغيره بتقدير مضاف يؤدي ذلك، ويجوز أن يراد بالأرض السفليات مطلقاً ولعله أولى.

{ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ } أي شركة مع الله سبحانه { فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ } أي في خلقها، ولعل الأولى فيها أيضاً أن تفسر بالعلويات. و { أَمْ } جوز أن تكون منقطعة وأن تكون متصلة، والمراد نفي استحقاق آلهتهم للمعبودية على أتم وجه، فقد نفى أولاً: مدخليتها في خلق شيء من أجزاء العالم السفلي حقيقة واستقلالاً، وثانياً: مدخليتها على سبيل الشركة في خلق شيء من أجزاء العالم العلوي، ومن المعلوم أن نفي ذلك يستلزم نفي استحقاق المعبودية. وتخصيص الشركة في النظم الجليل بقوله سبحانه: { فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ } مع أنه لا شركة فيها وفي الأرض أيضاً لأن القصد إلزامهم بما هو مسلم لهم ظاهر لكل أحد والشركة في الحوادث السفلية ليست كذلك لتملكهم وإيجادهم لبعضها بحسب الصورة الظاهرة. وقيل: الأظهر أن تجعل الآية من حذف معادل { أَمْ } المتصلة لوجود دليله والتقدير ألهم شرك في الأرض أم لهم شرك في السمٰوات؟ وهو كما ترى. وقوله تعالى: { ٱئْتُونِي بِكِتَـٰبٍ } إلى آخره تبكيت لهم بتعجيزهم عن الإتيان بسند نقلي بعد تبكيتهم بالتعجيز عن الإتيان بسند عقلي فهو من جملة القول أي ائتوني بكتاب إلهي كائن { مّن قَبْلِ هَـٰذَا } الكتاب أي القرآن الناطق بالتوحيد وإبطال الشرك دال على صحة دينكم { أَوْ أَثَـٰرَةٍ مّنْ عِلْمٍ } أي بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين شاهدة باستحقاقهم العبادة، فالإثارة مصدر كالضلالة بمعنى البقية من قولهم: سمنت الناقة على أثارة من لحم أي بقية منه. وقال القرطبـي: هي بمعنى الإسناد والرواية، ومنه قول الأعشى:

إن الذي فيه تماريتما بُيِّن للسامع والآثِر

وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن وقتادة: المعنى أو خاصة من علم فاشتقاقها من الأثرة فكأنها قد آثر الله تعالى بها من هي عنده، وقيل: هي العلامة. وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبـي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق أبـي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس عن النبـي صلى الله عليه وسلم: "أو أثارة من علم" قال: الخط، وروي ذلك أيضاً موقوفاً على ابن عباس، وفسر بعلم الرمل كما في حديث أبـي هريرة مرفوعاً / "كان نبـي من الأنبياء يخط فمن صادف مثل خطه علم" . وفي رواية عن الحبر أنه قال:{ أَثَـٰرَةٍ مّنْ عِلْمٍ } خط كان يخطه العرب في الأرض، وهذا ظاهر في تقوية أمر علم الرمل وأنه شيء له وجه ويرشد إلى بعض الأمور، وفي ذلك كلام يطلب من محله. وفي «البحر» ((قيل: إن صح تفسير ابن عباس الأثارة بالخط في التراب كان ذلك من باب التهكم بهم وبأقوالهم ودلائلهم)). والتنوين للتقليل و{ مِنْ عِلْمٍ } صفة أي أو ائتوني بأثارة قليلة كائنة من علم.

{ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } في دعواكم فإنها لا تكاد تصح ما لم يقم عليها برهان عقلي أو دليل نقلي وحيث لم يقم عليها شيء منهما وقد قاما على خلافها تبين بطلانها.

وقرىء { إثارة } بكسر الهمز وفسرت بالمناظرة فإنها تثير المعاني، قيل: وذلك من باب الاستعارة على تشبيه ما يبرز ويتحقق بالمناظرة بما يثور من الغبار الثائر من حركات الفرسان. وقرأ علي وابن عباس رضي الله تعالى عنهم بخلاف عنهما وزيد بن علي وعكرمة وقتادة والحسن والسلمي والأعمش وعمرو بن ميمون { أثرة } بغير ألف وهي واحدة جمعها أثر كقترة وقتر، وعلي كرم الله تعالى وجهه والسلمي وقتادة أيضاً بإسكان الثاء وهي الفعلة الواحدة مما يؤثر أي قد قنعت منكم بخبر واحد أو أثر واحد يشهد بصحة قولكم؛ وعن الكسائي ضم الهمزة وإسكان الثاء فهي اسم للمقدار كالغرفة لما يغرف باليد أي ائتوني بشيء ما يؤثر من علم، وروي عنه أيضاً أنه قرأ { إثْره } بكسر الهمزة وسكون الثاء وهي بمعنى الأثرة بفتحتين.